وشذّ دخول حرف الجر عليها، قالوا: «على كيف تبيعُ الأَحْمَرَيْنِ» .
وكونها شرطاً قليل، ولا يجزم بها خلافاً للكوفيين، وإذا أبدل منها اسم، أو وقع جواباً، فهو منصوبٌ إذا كان بعدها فعل متسلّط عليها نحو كيف قمت. أصحيحاً أم سقيماً؟ وكيف سرت؟ فتقول: رَاشِداً، وإلا فمرفوعان نحو: كيد زيد؟ أصحيح أم سقيم؟ وإن وقع بعدها اسم مسؤول عنه بها، فهو مبتدأ، وهي خبر مقدم، نحو: كيف زيد؟
وقد يحذف الفعل بعدها، قال تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا} [التوبة: ٨] أي: كيف تُوَالُونَهُمْ؟ .
وكيف في هذه الآية منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه، أي: في أي حالة تكفرون؟ وعلى الحال عند الأخفش. أي: على أي حال تكفرون؟ والعامل فيها على القولين «تكفرون» ، وصاحب الحال الضمير في «تكفرون» .
ولم يذكر أبو القاء غير مذهب الأخفش، ثم قال: والتقدير: معاندين تكفرون؟ وفي هذا التقدير نظر؛ إذ يذهب معه معنى الاستفهام المقصُود به التنعجّب، أو التوبيخ، أو الإنكار.
قال الزمخشري بعد أن جعل الاستفهام للإنكار: وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها، وقد علم أن كلّ موجود لا بدَّ له من حالٍ، ومُحَالٌ أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكاراً لوجوده على الطريق البرهاني.
وفي الكلام التفات من الغيبة في قوله «وأَما الَّذين كَفَروا» إلى آخره إلى الخطاب في قوله: «تَكْفُرُونَ» و «كُنْتُم» .
وفائدته: أن الإنكار إذا توجّه إلى المخاطب كان أبلغ.
وجاء «تَكْفُرُون» مضارعاً لا ماضياً؛ لأن المنكر الدّوام على الكفر، والمُضَارع هو المشعر بذلك، ولئلا يكون ذلك توبيخاً لمن آمن بعد كفر. وكَفَر «يتعدّى بحرف الجر نحو:» تَكْفُرُونَ باللهِ « {تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} [آل عمران: ٧٠] {كَفَرُواْ بالذكر} [فصلت: ٤١] وقد يتعدّى بنفسه في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} [هود: ١٨] وذلك لما ضمن معنى جحدوا.
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب، وهم لم يكفروا بالله؟
فالجواب أنهم [لما] لم يسمعوا أمر محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يصدقوه فيما جاء به، فقد أشركوا؛ لأنهم لم يقروا بأن القرآن من عند الله، ومن يزعم أن القرآن من كلام البشر، فقد أشرك بالله، وصار ناقضاً للعَهْدِ.