فصل في الرد على المعتزلة
قال المعتزلة: هذه الآية تدلّ على أن الكفر من قبل العباد من وجوه:
أحدها: أنه - تعالى - لو كان هو الخالق للكفر فيهم لما جاز أن يقول: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ» موبخاً لهم، كما لا يجوز أن يقول: كيف تَسْوَدُّونَ وتبيضون وتصحون وتسقمون لما كان ذلك كله من خلقه فيهم.
وثانيها: إذا كان خلقهم أولاً للشقاء والنار، وما أراد بخلقهم إلاّ الكفر وإرادة الوقوع في النَّار، فكيف يصح أن يقول موبخاً لهم: «كيف تكفرون» ؟ .
وثالثها: أنه - تعالى - إذا قال للعبد كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ، فهذا الكلام إما أن يكون موجهاً للحجّة على العبد، وطلباً للجواب منه، أو ليس كذلك، فإن لم يكن لطلب هذا المعنى لم يكن في ذكره فائدة، فيكون هذا الخطاب عبثاً، وإن ذكره لتوجيه الحجّة على العبد، فللعبد أن يقول: حصل في حقي أمور كثيرة موجبة للكفر.
فالأول: أنك علمت بالكفر منّي، والعلم بالكفر يوجب الكفر.
والثاني: أنك أردت الكفر مني، وهذه الإرادة موجبة له.
والرابع: أنك خلقت فيّ قدرة موجبة للكفر.
والخامس: أنك خلقت فيَّ إرادة موجبة للكفر.
والسادس: أنك خلقت فيَّ قدرة موجبة للإرادة الموجبة للكفر.
ثم لما حصلت هذه الأسباب السّتة في حصول الكفر، فالإيمان متوقّف على حُصُول هذه الأسباب السّتة في طرف الإيمان، وهي بأسْرِهَا كانت مفقودةً، فقد حصل لعدم الإيمان اثنا عشر سبباً واحد منها مستقل [بالمنع من الإيمان] ومع قيام هذه الأَسْبَاب الكثيرة فكيف يعقل أن يقال: كيف تكفرون بالله؟ وآيات أخر تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى.
والجواب عن هذا انّ الله - سبحانه - علم أن لا يكون، فلو وجد [لانقلب عليه] جهلاً، وهو محال، ووقوعه محال، وأيضاً فالقدرة على الكفر إن كانت صالحةً للإيمان امتنع كونها مصدراً للإيمان على التعيين إلاّ لمرجح، وذلك المرجّح إن كان من العبد عاد السؤال، وإن كان من الله، فلما لم يحصل ذلك المرجح من الله امتنع حصول الكفر، وإذا حصل ذلك امرجح وجب، وعلى هذا يعقل قوله: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ» قاله ابن الخطيب.
قوله: «وكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُم» «الواو» الحال، وعلامتها أن يصلح موضعها «