وبقولي:«مِنْ غَيْرِ تَفريقٍ» : تحرُّزٌ من نحو: قطعْتُ رَأسَ الكَبْشَيْنِ: السَّمِين والكَبْشِ الهَزيلِ؛ ومنه هذه الآية، فلا يجوزُ إلا الإفرادُ، وقال بعضهم:«هُوَ مُخْتَارٌ» ، أي: فيجوز غيرُه، وقد مضى تحقيقُ هذه القاعدةِ.
قال شهاب الدين: وفي النفسِ من كونِ المرادِ باللسان الجارحةَ شيءٌ، ويؤيِّد ذلك ما قاله الزمخشريُّ؛ فإنه قال:«نَزَّلَ اللَّهُ لَعْنَهُمْ في الزَّبُورِ على لسانِ دَاوُدَ، وفي الإنجيلِ على لسانِ عيسى» ، وقوةُ هذا تأبَى كونه الجارحةَ، ثم إنِّي رأيتُ الواحديَّ ذكر عن المفسِّرين قولين، ورجَّح ما قلته؛ قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «وقال ابن عبَّاس: يريد في الزَّبُور وفي الإنجِيلِ، ومعنى هذا: أنَّ اللَّهَ تعالى لَعَنَ في الزَّبُور من يكْفُرُ مِنْ بني إسرائيل، وكذلك في الإنجيلِ، وقيل: على لسان دَاوُدَ وعيسَى؛ لأنَّ الزبورَ لسانُ داوُدَ، والإنجيلَ لسانُ عيسى» ، فهذا نصٌّ في أن المراد باللسانِ غيرُ الجارحَةِ، ثم قال:«وقال الزَّجَّاج:» وجائزٌ أن يكون داوُدُ وعيسَى عَلِمَا أنَّ محمَّداً نَبِيٌّ مبعوثٌ، وأنهما لَعَنَا من يَكْفُرُ به «، والقول هو الأوَّل، فتجويزُ الزجَّاجِ لذلك ظاهرٌ أنه يرادُ باللسانِ الجارحةُ، ولكن ليس قولاً للمفسِّرين، و» عَلَى لسانِ «متعلِّقٌ ب» لُعِنَ «قال أبو البقاء:» كما يُقال: جَاءَ زَيْدٌ على فَرَسٍ «، وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهر أنه حالٌ، وقوله:» ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا «قد تقدَّم نظيره، وقوله:» وَكَانوا يَعْتَدُونَ «في هذه الجملةِ الناقصةِ وجهان:
أظهرهما: أن تكون عطفاً على صلةِ» مَا «وهو» عَصَوْا «، أي: ذلك بسبب عصيانِهم وكونهم معتدين. والثاني: أنها استئنافيةٌ، أي: أخبر الله تعالى عنهم بذلك، قال أبو حيان:» ويُقَوِّي هذا ما جاءَ بعده كالشَّرْحِ له، وهو قولُه: كانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ «.