للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مَسَاجِدِهِمْ، وإحْرَاقِ مَصَاحِفِهِمْ، ولا كَرَامَةَ لَهُمْ، بَل الآيَةُ فيمَنْ أسْلَمَ مِنْهُم.

وقال آخرون: مَذْهَبُ اليَهُود الفَاسِد، أنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الشّرِّ إلى من يُخَالِفُهُمْ في الدِّين بأيِّ طريقٍ كان، فإن قَدَرُوا على القَتْل فذلِكَ، وإلَاّ فنهب المالِ والسَّرِقَة، أو بِنَوْع من المَكْرِ والكَيْدِ والحِيلَةِ، وأمَّا النَّصَارى فليس مذهبهم ذلك، بل الإيذَاءُ في دينهم حَرَامٌ فهذا وَجْهُ التَّفاوُتِ، ثمَّ ذكر - سبحانه - سَبَبَ التَّفَاوُتِ، فقال {اذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً} .

فإن قِيلَ: لِم أسند تسمية النَّصَارى إليهم، بقوله تعالى: {الذين قالوا إِنَّا نصارى} ؛ ولمَّا ذكر اليهود سمَّاهم بقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود} ولم يُسْنِدِ التَّسْمِيّةَ إلَيْهم.

فالجوابُ: لأنَّ تسميتهم باليَهُود إن كانت لِكَوْنِهِمْ من أوْلادِ يَهُوذَا بْنِ يَعقُوبَ فَهِيَ تسْمِيَةٌ حَقِيقَةٌ أيضاً، وإن كانت من التَّحَرُّكِ في دِرَاسَتِهِمْ، فكذلك أيْضاً، والنَّصَارَى فَهُم الذين سَمُّوا أنفُسَهُمْ حين قال لهم عيسَى - عليه الصَّلاة والسَّلام -: {مَنْ أنصاري إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنصَارُ الله} [الصف: ١٤] ، فلذلك أسْنَدَ التَّسْمِيَة إليْهِم، وإنْ كانوا إنَّمَا سُمُّوا نصارَى؛ لأنَّهُمْ كانوا يَسْكُنُون قَرْيَةً يقال لها: «نَاصِرَة» ، فكُلُّهُمْ لمْ يكُونُوا سَاكِنِين فيها، بَلْ بعضُهُم أوْ أكثرُهُمْ، فالحقيقة لم تُوجَدْ فيهم.

وقد تقدَّمَ الكلامُ في تَسْمِيَتهِم عند قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} [الآية: ٦٢] في البقرة.

قوله تعالى: «ذَلِكَ بأنَّ» مبتدأ وخبرٌ، وتقدم تقريره، و «مِنْهُمْ» خبر «أنَّ» ، و «قِسِّيسِينَ» اسمها، وأن واسمُها وخبرها في محلِّ جرِّ بالباء، والباءُ ومجرورُها ههنا خبر «ذَلِكَ» ، والقِسِّيسِينَ جمع «قِسِّيس» على فَعِّيلٍ، وهو مثالُ مُبالغة ك «صدِّيقٍ» ، وقد تقدَّم، وهو هنا رئيسُ النصارى وعابدُهُمْ، وأصلُه من تَقَسَّس الشَّيْء، إذا تَتَّبَعَهُ وطلبَهُ باللَّيْلِ، يقال: «تَقَسَّسْتُ أصْواتَهُم» ، أي: تَتَبَّعْتهَا باللَّيْلِ، ويُقال لرئيس النصارى: قِسٌّ وقِسِّيسٌ، وللدليلِ بالليلِ: قَسْقَاسٌ وقَسْقَسٌ، قاله الراغب، وقال غيرُه: القَسُّ بفتح القاف تَتَبُّعُ الشيءِ، ومنه سُمِّيَ عالم النصارى؛ لتتبُّعِه العِلْمَ، قال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاجِ: [الرجز]

٢٠٣٤ - أصْبَحْنَ عَنْ قَسِّ الأذَى غَوَافِلَا ... يَمْشِينَ هَوْناً خُرُداً بَهَالِلا

ويقال: قَسَّ الأثَرَ وقصَّهُ بالصَّاد أيضاً، ويقال: قَسٌّ وقِسٌّ بفتح القاف وكسرها، وقِسِّيس، وزعم ابن عطية أنه أعجميٌّ مُعَرَّبٌ، وقال الواحديُّ: «وقد تكلَّمتِ العربُ

<<  <  ج: ص:  >  >>