للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

غيرِها، قال: «فالأوْلَى: أن يكون مستأنفاً» ، قال شهاب الدين: أمَّا ما جعله خطأ، فالكلام معه في هذه المسألة في موضوعٍ غَيْرِ هذا، وأمَّا قوله: «يَلْزَمُ التَّقييدُ» ، فالجوابُ: أنه إنما ذُكِرَتْ هذه الحالُ؛ لأنَّها أشرفُ أحوالهم، فَخَرَجَتْ مخرجَ المدحِ لهم، وقوله تعالى: «رَبَّنا آمَنَّا» في محلِّ نصب بالقول، وكذلك: «فاكْتُبْنَا» إلى قوله سبحانه: «الصَّالِحِينَ» .

فصل

المعنى: يَقُولُون ربَّنَا آمنَّا بما سَمِعْنَا وشَهِدْنَا بأنَّهُ حقٌّ، {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} يريد: أمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لقوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس} [البقرة: ١٤٣] .

وقيل: كُلُّ مَنْ شَهِدَ من أنْبِيَائِك ومُؤمِنِي عِبَادك بأنَّكَ لا إله غَيْرك.

قوله تعالى: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين} : «مَا» استفهاميَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداء، و «لَنَا» جارٌّ ومجرورٌ خبرهُ، تقديرُه: أيُّ شيءٍ اسْتَقَرَّ لنا، و «لا نُؤمِنُ» جملة حالية، وقد تقدَّم الكلام على نظير هذه الآية، وأنَّ بعضهم قال: إنها حالٌ لازمةٌ لا يتمُّ المعنى إلا بها؛ نحو:

{فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: ٤٩] ، وتقدَّم ما قلتُه فيه، فأغْنَى ذلك عن إعادته، وقال أبو حيان هنا: «وهي المقصودُ وفي ذكرهَا فائدةُ الكلامِ؛ وذلك كما تقول:» جَاء زَيْدٌ رَاكِباً «لِمَنْ قال: هَلْ جَاءَ زَيْدٌ مَاشِياً أو رَاكِباً؟» .

فصل

قوله: «وَمَا جَاءَنَا» في محلِّ «مَا» وجهان:

أحدهما: أنه مجرور نسقاً على الجلالة، أي: بالله وبِمَا جَاءَنَا، وعلى هذا فقوله: «مِنَ الحَقِّ» فيه احتمالان:

أحدهما: أنه حالٌ من فاعل «جَاءَنَا» ، أي: جاء في حال كونه من جِنْسِ الحقِّ.

والاحتمال الآخر: أن تكونَ «مِنْ» لابتداء الغاية، والمرادُ بالحقِّ الباري تعالى، وتتعلَّقُ «مِنْ» حينئذ ب «جَاءَنَا» ؛ كقولك: «جَاءَنَا فلانٌ مِنْ عِنْدِ زَيْدٍ» .

والثاني: أنَّ محلَّه رفعٌ بالابتداء، والخبر قوله: «مِنَ الحَقِّ» ، والجملةُ في موضع الحال، كذا قاله أبو البقاء، ويصيرُ التقدير: وما لَنَا لا نُؤمِنُ بالله، والحالُ أنَّ الذي جاءنا كَائِنٌ من الحَقِّ، و «الحقُّ» يجوز أن يُرادَ به القرآنُ؛ فإنه حقٌّ في نفسه، ويجوزُ أن يُرادَ به الباري تعالى - كما تقدمَ - والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تَضَمَّنَهُ قولُه «لَنَا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>