غيرِها، قال:«فالأوْلَى: أن يكون مستأنفاً» ، قال شهاب الدين: أمَّا ما جعله خطأ، فالكلام معه في هذه المسألة في موضوعٍ غَيْرِ هذا، وأمَّا قوله:«يَلْزَمُ التَّقييدُ» ، فالجوابُ: أنه إنما ذُكِرَتْ هذه الحالُ؛ لأنَّها أشرفُ أحوالهم، فَخَرَجَتْ مخرجَ المدحِ لهم، وقوله تعالى:«رَبَّنا آمَنَّا» في محلِّ نصب بالقول، وكذلك:«فاكْتُبْنَا» إلى قوله سبحانه: «الصَّالِحِينَ» .
وقيل: كُلُّ مَنْ شَهِدَ من أنْبِيَائِك ومُؤمِنِي عِبَادك بأنَّكَ لا إله غَيْرك.
قوله تعالى:{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين} : «مَا» استفهاميَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداء، و «لَنَا» جارٌّ ومجرورٌ خبرهُ، تقديرُه: أيُّ شيءٍ اسْتَقَرَّ لنا، و «لا نُؤمِنُ» جملة حالية، وقد تقدَّم الكلام على نظير هذه الآية، وأنَّ بعضهم قال: إنها حالٌ لازمةٌ لا يتمُّ المعنى إلا بها؛ نحو:
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ}[المدثر: ٤٩] ، وتقدَّم ما قلتُه فيه، فأغْنَى ذلك عن إعادته، وقال أبو حيان هنا:«وهي المقصودُ وفي ذكرهَا فائدةُ الكلامِ؛ وذلك كما تقول:» جَاء زَيْدٌ رَاكِباً «لِمَنْ قال: هَلْ جَاءَ زَيْدٌ مَاشِياً أو رَاكِباً؟» .
فصل
قوله:«وَمَا جَاءَنَا» في محلِّ «مَا» وجهان:
أحدهما: أنه مجرور نسقاً على الجلالة، أي: بالله وبِمَا جَاءَنَا، وعلى هذا فقوله:«مِنَ الحَقِّ» فيه احتمالان:
أحدهما: أنه حالٌ من فاعل «جَاءَنَا» ، أي: جاء في حال كونه من جِنْسِ الحقِّ.
والثاني: أنَّ محلَّه رفعٌ بالابتداء، والخبر قوله:«مِنَ الحَقِّ» ، والجملةُ في موضع الحال، كذا قاله أبو البقاء، ويصيرُ التقدير: وما لَنَا لا نُؤمِنُ بالله، والحالُ أنَّ الذي جاءنا كَائِنٌ من الحَقِّ، و «الحقُّ» يجوز أن يُرادَ به القرآنُ؛ فإنه حقٌّ في نفسه، ويجوزُ أن يُرادَ به الباري تعالى - كما تقدمَ - والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تَضَمَّنَهُ قولُه «لَنَا» .