أي: مقامه بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، والعربُ تَحْذِفُ كثيراً ذكر «مَا» و «مَنْ» في الموضِعِ الذي يُحْتَاجُ إليهما فيه؛ كقوله:{وَإِذَا رَأَيْتَ}[الإنسان: ٢٠] أي: ما ثَمَّ، وكقوله:{هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف: ٧٨] و {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] أي ما بَيْنِي، ومَا بَيْنَكُمْ، وقول أبي حَيَّان «لا يُتَخَيَّل فيه تقديرُ» مَا «إلى آخره» ممنوعٌ؛ لانَّ حالة الإضافة لا تَجْعَلُها صلةً للموصول المحذوف، ولا يَلْزمُ من ذلك: أنْ تُقَدِّرَها من حيث المعنى، لا من حيث الإعرابُ؛ نظراً إلى الأصْلِ، وأمَّا حَذْفُ الموصُولِ، فقد تقدَّم تحقيقُه.
فصل
واخْتَلَفُوا في هَاتَيْن الآيتين، فقالَ قَوْمٌ: هما الشَّاهِدِانِ يَشْهَدَان على وِصيَّةٍ.
وقوله:«ذَوا» صفةٌ لاثنين، أي: صاحِبَا عدْلٍ، وكذلك قوله «مِنْكُمْ» صفة أيضاً لاثنين، وقوله:«أوْ آخَرَانِ» نسقٌ على اثنين، و «مِنْ غَيْرِكُمْ» صفةٌ لآخَرَيْنِ، والمراد ب «مِنْكُمْ» من قرابتكم وعترَتِكُم، ومن غيركم من المسلمين الأجانب، وقيل:«مِنْكُمْ» من أهل دينكم، و «مِنْ غَيْرِكُمْ» من أهل الذمة، ورجَّح النحَّاسُ الأولَ، فقال:«هذا يَنْبَنِي على معنًى غامضٍ في العربية، وذلك أنَّ معنى» آخَرَ «في العربية من جنْسِ الأوَّلِ تقولُ:» مَرَرْتُ بِكَرِيمٍ وكَرِيمٍ آخَرَ «ولا يجوز» وخَسِيسٍ آخَرَ «ولا:» مَرَرْتُ بِحِمَارٍ ورَجُلٍ آخَرَ «، فكذا هاهنا يجب أن يكون» أو آخَرَانِ «: أو عَدْلَان آخَرَان، والكفارُ لا يكونونَ عُدُولاً» وردَّ أبو حيان ذلك؛ فقال:«أمَّا ما ذكرَهُ من المُثُلِ، فصحيحٌ؛ لأنه مثَّل بتأخير» آخَرَ «، وجعله صفةً لغير جنسِ الأوَّل، وأمَّا الآيةُ، فمن قبيل ما يُقدَّم فيه» آخَر «على الوصف، واندرج» آخَر «في الجنْس الذي قبله، ولا يُعْتَبَرُ وصْفُ جنس الأول، تقول:» مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ وآخَرَ كَافِرٍ، واشْتَرَيْتُ فَرَساً سَابِقاً، وآخَرَ بَطِيئاً «، ولو أخَّرْتَ» آخَرَ «في هذين المثالين، فقلت:» مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ كَافِرٍ آخَرَ «، لم يَجُزْ، وليس الآيةُ من هذا؛ لأن تركيبها {اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ف» آخَرَانِ «من جنسِ قوله» اثْنَانِ «، ولا سيما إذا قَدَّرْته:» رَجُلانِ اثْنَانِ «ف» آخَرَانِ «هما من جنْس قوله» رَجُلانِ اثْنَانِ «، ولا