ف «زُرَيْقُ» يجوز أن يكون منادًى، أي: يا زُرَيْقُ، والثاني: أنه مرفوع ب «نَدْلاً» على أنه واقعٌ «لِيَنْدَلْ» ، وإنما حُذِف تنوينه؛ لالتقاء الساكنين؛ على حَدِّ قوله:[الطويل]
الثالث: أنَّ «شَهَادَةً» بدل من اللفظ بفعلٍ أيضاً، إلا أنَّ هذا الفعل خبريٌّ، وإن كان أقلَّ من الطلبيِّ، نحو:«حَمْداً وشُكْراً لا كُفْراً» ، و «اثْنَانِ» أيضاً فاعلٌ به، تقديرُه: يَشْهَدُ شَهَادَةً اثنانِ، وهذا أحسنُ التخاريجِ المذكُورة في قولِ امرئ القيس:[الطويل]
«وُقُوفاً» مصدرٌ بدلٌ من فعلٍ خبريٍّ رفع «صَحْبِي» ونصب «مَطِيَّهُمْ» تقديره: وقف صَحْبِي، وقد تقدَّم أنَّ الفرَّاء في قراءة الرفع قدَّرَ أن «شَهَادَة» واقعةٌ موقع فعلٍ، وارتفع «اثْنَان» بها، وقد تقدم أنَّ ذلك يجوز أن يكون مِمَّا سَدَّ فيه الفاعل مسدَّ الخبر، و «بَيْنَكُمْ» في قراءةِ مَنْ نوَّن «شَهَادَة» نصبٌ على الظرف، وهي واضحةٌ.
وأمَّا قراءةُ الجرِّ فيها، فَمِنْ باب الاتِّساعِ في الظُّروفِ، أي: بجعل الظرفِ كأنه مفعولٌ لذلك الفعلِ، ومثله:{هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف: ٧٨] وكقوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] فيمن رفع، قال أبو حيان:«وقال الماتُرِيديُّ - وتبعه الرازيُّ -: إنَّ الأصلَ» مَا بَيْنَكُمْ «فحذف» مَا «، قال الرازيُّ: و» بَيْنَكُمْ «كنايةٌ عن التنازُعِ؛ لأنه إنما يُحْتَاجُ إلى الشهود عند التنازع، وحَذْفُ» مَا «جائزٌ عند ظهوره؛ ونظيرُه كقوله تعالى:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] في قراءة مَنْ نصب» قال أبو حيان: «وحَذفُ» مَا «الموصولةِ غيرُ جائز عند البصريِّين، ومع الإضافة لا يَصِحُّ تقديرُ» مَا «ألبتة، وليس قوله {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف: ٧٨] نظيرَ {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] لأن هذا مضافٌ، وذلك باقٍ على ظرفيته فيُتَخَيَّلُ فيه حَذْفُ» مَا «؛ بخلاف {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف: ٧٨] و» شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ «؛ فإنه لا يُتَخَيَّلُ فيه تقديرُ» مَا «؛ لأنَّ الإضافة أخْرَجَتْهُ عن الظرفيَّة وصَيَّرَتْهُ مفعولاً به على السَّعَة» ، قال شهاب الدين: هذا الذي نقله الشيخ عنهما قاله أبو عليٍّ الجُرْجَانِيُّ بعينه، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ، أي: ما بَيْنكُمْ، و «مَا بَيْنَكُمْ» كنايةٌ عن التنازُع والتشاجر، ثم أضافَ الشهادة إلى التنازعِ؛ لأن الشهودَ إنَّما يُحْتَاجُ إليهم في التنازُعِ الواقعِ فيما بين القوم، والعربُ تُضيفُ الشيْءَ إلى الشيءِ، إذا كان منه بسبب؛ كقوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}[الرحمن: ٤٦] ،