يَبْتدئ «آللَّهِ» بقطع همزة الوصل وبمدِّ الهمزة على أنها للاستفهام بالمعنى المتقدِّم، وجَرِّ الجلالة، وهمزةُ القطعِ تكون عوضاً من حرف القسم في هذا الاسم الشريف خاصة، تقول: يا زَيْدُ، أللَّهِ، لأفْعلَنَّ، والذي يُعَوَّض من حرف القسم في هذا الاسم الشريف خاصَّة ثلاثةٌ: ألفُ الاستفهام، وقطعُ همزة الوصلِ، وها التي للتنبيه؛ نحو:«ها اللَّهِ» ، ويجوزُ مع «هَا» قطعُ همزةِ الجلالة ووصلُها، وهل الجرُّ بالحرف المقدَّر، أو بالعوض؟ تقدَّم أنَّ فيه خلافاً، ولو قال قائلٌ: إن قولهم «الله، لأفْعَلَنَّ» بالجرِّ وقطع الهمزة؛ بأنها همزة استفهام لم يُرَدَّ قوله، فإن قيل: همزةُ الاستفهام، إذا دخلَتْ على همزة الوصْلِ التي مع لام التعريف، أو ايْمُن في القَسَم، وجب ثبوتُ همزة الوصل، وحينئذ إمَّا: أنْ تُسَهَّلَ، وإمَّا أنْ تُبْدَلَ ألفاً، وهذه لم تَثْبُتْ بعدها همزةُ وصل، فتعيَّن أن تكونَ همزة وصْلٍ قُطِعَتْ عوضاً عن حرف القسم، فالجواب: أنهم إنما أبْدلوا ألفَ الوصْلِ أو سَهَّلوها بعد همزةِ الاستفهام؛ فرقاً بين الاستفهام والخبر، وهنا اللَّبْسُ مأمونٌ فإنَّ الجرَّ في الجلالة يؤذِنُ بذلك؛ فلا حاجة إلى بقاءِ همزةِ الوصلِ مُبْدلةً أو مُسَهَّلةً، فعلى هذا قراءة: ألله، وآلله بالقصْر والمدِّ تحتمل الاستفهام، وهو تخريجٌ حسن، قال ابن جني في هذه القراءة:«الوقفُ على» شهَاده «بسكون الهاء، واستئنافُ القسم - حسنٌ؛ لأنَّ استئنافه في أولِ الكلامِ أوْجَهُ له وأشدُّ هيبةً مِنْ أنْ يدخُلَ في عرضِ القَوْل» ، ورُوِيَتْ هذه القراءةُ - أعني:«ألله» بقطع الألف من غير مدٍّ وجرِّ الجلالة - عن أبي بكرٍ عن عاصمٍ وتقدَّم أيضاً أنها رويتْ عن أبي جعفرٍ، وقرئ:«شَهَادَةً اللَّهِ» بنصب الشهادة منونة، وجرِ الجلالة موصولة الهمزة، على أن الجرَّ بحرفِ القسمِ المقدَّرِ من غير عوضٍ منه بقَطْعِ، ولا همزةِ استفهام، وهو مختصٌّ بذلك.
وقوله تعالى:{إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآثمين} هذه الجملةُ لا محلَّ لها؛ لأنها استئنافيةٌ، أخبروا عن أنفسهم بأنهم من الآثمين، إنْ كتموا الشهادة؛ ولذلك أتوا ب «إذَنِ» المُؤذِنَةِ بالجزاء والجواب، وقرأ الجمهور:«لَمِنَ الآثمينَ» من غير نقل، ولا إدغام، وقرأ ابن مُحَيصنٍ والأعمش:«لَمِلآّثمين» بإدغام نون «مِنْ» في لام التعريف، بَعْد أن نقل إليها حركة الهمزة في «آثمينَ» ، فاعتدَّ بحركة النقل فأدغَمَ، وهي نظيرُ قراءةِ مَنْ قرأ:{عَاداً لُّولَى}[النجم: ٥٠] بالإدغام، على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
فصل في معنى الآية
ومعنى الآية: إنكم إذا سَافَرْتُم في الأرْض، فأصَابَتْكُم مُصِيبَةُ الموت، فأوصَيْتم