قال السُّدي: بعد صلاةِ أهْلِ دينهمَا؛ لأنَّهُمَا لا يُبَالِيَان بِصلاةِ العَصْرِ، ولا صلاةِ الظُّهْرِ على ما تقدَّم، فيَحْلِفَان {بالله إِنِ ارتبتم} أي: شَكَكْتُم وَوقَعتْ لَكُم الرِّيبَةُ في قولِ الشَّاهدين وصدقهمَا، إذا كانا مِنْ غَيْرِ دينكُم، فإن كانا مُسْلِمَيْن فلا يَمِينَ عليهما {لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} ، أي: لا نَحْلِفُ باللَّه كَاذِبين على عِوضٍ نأخُذُه، أو حَقٍّ نَجْحَدُهُ {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} ، ولو كان المَشْهُودُ لَهُ ذَا قَرابَةٍ مِنَّا.
وقيل: لَوْ كان ذلك الشَّيْءُ حبوة في قُرْبى {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله} وأضَافَ الشَّهادَةَ إلى اللَّهِ تعالى؛ لأنه أمَرَ بإقَامَتِها ونَهَى عن كِتْمَانها {إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآثمين} ، إن كَتَمْنَا الشَّهَادَة.
رُوِي لما نَزَلت هذه الآيَةُ، صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلاةَ العَصْرِ، ودعا تميماً وعِدياً، فاسْتَحْلَفَهُمَا عِنْدَ المِنْبَر باللَّه الذي لا إله إلَاّ هُو، أنَّهُمَا لم يَخْتَانَا شَيْئاً مما دُفع إليْهما، فَحَلَفا على ذَلِكَ، وخلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سَبِيلَهُمَا.
قوله تعالى:«فإنْ عُثِرَ» : مبنيٌّ للمفعول، والقائمُ مقامَ فاعله الجارُّ بعده، أي: فإن اطُّلِعَ على اسْتِحْقَاقِهِمَا الإثْم يقالُ: عَثَرَ الرَّجُلُ يَعْثُرُ عُثُوراً: إذا هَجَمَ على شيءٍ، لم يَطَّلِعْ عليه غَيْرُهُ، وأعْثَرْتُهُ على كذا أطلعتُه عليه؛ ومنه قوله تعالى:{أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}[الكهف: ٢١] ، قال أهلُ اللغة: وأصلُه من «عَثْرَةِ الرجْلِ» وهي الوقوعُ، وذلك أن العاثِرَ إنما يَعْثُرُ بِشَيْء كان لا يَرَاهُ، فإن عثر به، اطُّلَعَ عليه، ونظر ما هو، فقيل لكلِّ أمْرٍ كان خَفِيًّا، ثم اطُّلِعَ عليه:«عُثِرَ عَلَيْه» ، وقال الليْثُ:«عَثَرَ يَعْثُرُ عُثُوراً هَجَمَ على أمرٍ لم يهجُمْ عليه غيرُه، وعَثَر يَعْثُرُ عثْرةً وقع على شيء» ففرَّقَ بين الفعلَيْنِ بمصدَرَيْهما، وفرَّق أبو البقاء بينهما بغير ذلك؛ فقال:«عَثَرَ مصْدرُه العُثُور، ومعناه اطَّلَعَ، فأمَّا» عَثَرَ «في مَشْيهِ، ومنْطِقِهِ، ورأيه، فالعِثَارُ» ، والراغب جعَلَ المصدَرَيْنِ على حدٍّ سواء؛ فإنه قال:«عَثَر الرَّجل بالشيءِ يَعْثُرُ عُثُوراً وعِثَاراً: إذا سقطَ عليه، ويُتَجَوَّزُ به فيمَنْ يطَّلِعُ على أمرٍ من غيرِ طلبه، يقال:» عَثَرْتُ على كذا «، وقوله:{وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ}[الكهف: ٢١] ، أي: وَقَّفْنَاهُمْ عليهم من غَيْرِ أنْ طَلَبُوا» .