قوله:«اسْتَحَقَّا إثْماً» ، وقال الفارسيُّ والحُوفِيُّ أيضاً:«اسْتُحِقَّ هو الإيصاءُ أو الوصيَّةُ» قال شهاب الدين: إضمارُ الوصيَّة مُشْكِلٌ؛ لأنه إذا أُسْنِدَ الفعلُ إلى ضمير المؤنَّثِ مطلقاً، وَجَبَتِ التاءُ إلَاّ في ضرورة، ويُونُسُ لا يَخُصُّه بها، ولا جائزٌ أن يقال أضْمَرَا لفظ الوصيَّة؛ لأنَّ ذلك حُذِفَ، والفاعلُ عندهما لا يُحْذَفُ، وقال النحَّاس مستحْسِناً لإضمارِ الإيصَاءِ:«وهذا أحسنُ ما قِيلَ فيه؛ لأنَّه لم يُجْعَلْ حرفٌ بدلاً من حرفٍ» ، يعني أنه لا يقُول: إنَّ «عَلَى» بمعنى «فِي» ، ولا بمعنى «مِنْ» كما قيل بهما، وسيأتي ذلك - إن شاء الله تعالى -.
وقد جمع الزمخشريُّ غالبَ ما قُلْتُه وحَكَيْتُه من الإعْرَابِ والمعنى بأوجز عبارةٍ، فقال:«ف» آخَرَانِ «، أي: فشَاهِدَانِ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الذينَ اسْتُحِقَّ عليهِم، أي: استُحِقَّ عليْهِمُ الإثمُ، ومعناه: مِنَ الذين جُنِيَ عليهمْ، وهم أهلُ الميِّتِ وعشيرتُهُ والأوليانِ الأحقَّانِ بالشَّهادةِ لقَرَابَتهِمَا ومَعْرِفَتِهِمَا، وارتفاعُهُمَا على:» هُمَا الأوْلَيَانِ «؛ كأنه قيل: ومَنْ هُمَا؟ فقيل: الأوْلَيَانِ، وقيل: هما بدلٌ من الضَّمير في» يَقُومَانِ «أو من» آخَرَانِ «، ويجوزُ أنْ يرتفِعَا ب» اسْتُحِقَّ «، أي: من الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عليْهِمُ انتدابُ الأوْلَيَيْنِ مِنْهُمْ للشهادة؛ لاطِّلاعهم على حقيقة الحَالِ» .
وقوله «عَلَيْهِم» : في «عَلَى» ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنها على بابها، قال أبو البقاء:«كقولك: وَجَبَ عليهم الإثْمُ» ، وقد تقدَّم عن النحَّاس؛ أنه لمَّا أضْمَرَ الإيصاءَ، بَقَّاها على بابها، واستحْسَنَ ذلك.
والثاني: أنها بمعنى «فِي» أي: استُحِقَّ فيهم الإثمُ، فوقَعَتْ «عَلَى» موقع «فِي» كما تقعُ «فِي» موقعها؛ كقوله تعالى:{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل}[طه: ٧١] أي: على جُذُوعِ، وكقوله:[الكامل]