الثالث: أنه بدلٌ من الضميرِ في» عَلَيهم «، وحسَّنَه هنا، وإن كان مشتقًّا عدمُ صلاحَيةِ ما قبله للوصف، نقل هذَيْن الوجهَيْن الأخيرَيْنِ مكيٌّ.
الرابع: أنه منصوبٌ على المَدْح، ذكره الزمخشريُّ، قال:» ومعنى الأوَّلِيَّةِ التقدُّمُ على الأجَانب في الشَّهَادة؛ لكونهم أحَقَّ بها «، وإنما فَسَّر الأوَّلِيَّةَ بالتقدُّمِ على الأجَانِب؛ جَرْياً على ما مَرَّ في تفسيره: أو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أنَّهُمَا من الأجانب لا من الكُفَّارِ
وقال الواحديُّ:» وتقديرُه من الأوَّلينَ الَّذينَ اسْتُحِقَّ عليْهِمُ الإيصَاءُ أو الإثْمُ، وإنما قيل لهم «الأوَّلِينَ» من حيث كانوا أوَّلِينَ في الذِّكْرِ؛ ألا ترى أنه قد تقدَّم:{يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} وكذلك {اثنان ذَوَا عَدْلٍ} ذُكِرَا في اللفظ قبل قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ، وكان ابنُ عباسٍ يختارُ هذه القراءة، ويقول:«أرأيتَ إنْ كان الأوْليانِ صغيريْنِ، كيف يَقُومَانِ مقامهما» ؟ أراد: أنهما إذا كانا صغيريْنِ لم يقُومَا في اليمين مقامَ الحانِثَيْنِ، ونحا ابن عطية هذا المنحَى قال:«معناه: من القوْمِ الذين استُحِقَّ عليهم أمرُهُمْ، أي: غُلِبُوا عليه، ثم وصفَهم بأنهم أوَّلون، أي: في الذكْرِ في هذه الآية» .
وأمَّا قراءةُ الحَسَن فالأوَّلانِ مرفُوعَانِ ب «استَحَقَّ» فإنه يقرؤهُ مبنيًّا للفاعل، قال الزمخشريُّ:«ويَحْتَجُّ به مَنْ يَرَى ردَّ اليمينِ على المُدَّعِي» ، ولم يبيِّن مَنْ هما الأوَّلَانِ، والمرادُ بهما الاثْنَانِ المتقدِّمَانِ في الذكْرِ؛ وهذه القراءةًُ كقراءةِ حَفْصٍ، فيُقَدَّرُ فيها ما ذُكِرَ، ثم مما يليقُ من تقديرِ المفْعُولِ.
وأما قراءة ابن سيرينَ، فانتصابُها على المَدْحِ، ولا يجوزُ فيها الجَرُّ؛ لأنه: إمَّا على البدل، وإمَّا على الوصْف بجَمْعٍ، والأوْلَيَيْنِ في قراءته مثنًّى، فتعذر فيها ذلك، وأمَّا قراءة «الأوْلَيْنَ» كالأعلَيْنَ، فحكاها أبو البقاء قراءةً شاذَّة لم يَعْزُها، قال:«ويُقْرَأ» الأوْلَيْنَ «جمع الأوْلَى، وإعرابه كإعراب الأوَّلينَ» يعني في قراءة حمزة، وقد تقدَّم أن فيها أربعةُ أوجه، وهي جارية هنا.
قوله:«فَيُقْسِمَانِ» نسقٌ على «يَقُومَانِ» والسببيَّةُ ظاهرٌة، و «لشَهَادَتُنَا أحَقُّ» : هذه الجملة جوابُ القسمِ في قوله: «فَيُقْسِمَانِ» .