القِيامَةِ، ليصير ذلك مُؤكداً لما ذكَرَهُ من التَّكَاليفِ والشَّرائع، فلا جَرَمَ ذكر هنا بعد ما تقدَّم من الشَّرائع أحْوالَ القِيامَةِ، ثمَّ ذكر أحْوالَ عيسى - عليه السلام -.
فأمَّا أحْوالُ القِيَامَةِ، فَهُو قَوْلُه:{يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} : في نصب «يَوْمَ» أحدَ عشرَ وجهاً:
أحدها: أنه منصوبٌ ب «اتَّقُوا» ، أي: اتَّقُوا اللَّهَ في يومِ جمعِهِ الرُّسُلَ، قاله الحُوفِيُّ، وهذا ينبغي ألَاّ يجوزَ؛ لأنَّ أمرهم بالتقوى في يوم القيامةِ لا يكون؛ إذ ليس بيومِ تَكْليفٍ وابتلاءٍ، ولذلك قال الواحديُّ: ولم يُنْصَبِ اليومُ على الظرْفِ للاتِّقاء؛ لأنَّهم لم يُؤمَرُوا بالتقوَى في ذلك اليوم، ولكنْ على المفعول به؛ كقوله:{واتقوا يَوْماً}[البقرة: ٤٨] .
الثاني: أنه منصوب ب «اتَّقُوا» مضْمَراً يدلُّ عليه «واتَّقُوا الله» ، قال الزَّجَّاج:«وهو محمولٌ على قوله:» واتَّقُوا الله «، ثم قال:» يَوْمَ يَجْمَعُ «، أي: واتقوا ذلك اليومَ» ، فدلَّ ذِكْرُ الاتقاءِ في الأوَّل على الاتقاء في هذه الآية، ولا يكونُ منصوباً على الظَّرْف للاتقاء؛ لأنهم لم يُؤمَرُوا بالاتقاء في ذلك اليَوْم، ولكنْ على المفعول به؛ كقوله تعالى:{واتقوا يَوْماً لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}[البقرة: ٤٨] .
الثالث: أنه منصوب بإضمار «اذْكُرُوا» .
الرابع: بإضمار «احْذَرُوا» .
الخامس: أنه بدلُ اشتمالٍ من الجلالة، قال الزمخشريُّ:«يَوْمَ يَجْمَعُ» بدلٌ من المنصوب في «واتَّقُوا الله» ، وهو من بدلِ الاشتمال، كأنه قيل:«واتقُوا الله يَوْمَ جَمْعِهِ» . انتهى، ولا بد من حذفِ مضافٍ على هذا الوجهِ؛ حتى تَصِحَّ له هذه العبارةُ التي ظاهرها ليْسَ بجيدٍ؛ لأنَّ الاشتمالَ لا يُوصَفُ به الباري تعالى على أيِّ مذهبٍ فَسَّرنَاهُ من مذاهب النحويين في الاشتمالِ، والتقديرُ: واتقوا - عقاب الله - يَوْمَ يَجْمَعُ رُسُلَهُ، فإنَّ العقابَ مشتملٌ على زمانِه، أو زمانُه مشتملٌ عليه، أو عامِلُهُمَا مشتملٌ عليهما على حسب الخلاف في تفسير البدلِ الاشتماليِّ، فقد تبيَّن لك امتناعُ هذه العباراتِ بالنسبةِ إلى الجلالةِ الشريفة، واستبعد أبو حيان هذا الوجه بطُولِ الفصْلِ بجملتين، ولا بُعْدَ؛ فإنَّ هاتين الجملتَيْنِ من تمامِ معنى الجملة الأولى.
السادسُ: أنه منصوبٌ ب «لا يَهْدِي» قاله الزمخشريُّ وأبو البقاء؛ قال الزمخشريُّ:«أي: لا يهديهمْ طريقَ الجنَّة يومئذٍ كما يُفْعَلُ بغَيْرهِمْ» ، وقال أبو البقاء: «