أحدها: أنه منصوبٌ ب «نِعْمَتِي» ؛ كأنه قيل: اذكُرْ إذْ أنعمْتُ عليْكَ وعلى أمِّكَ في وقت تأييدي لك.
والثاني: أنه بدلٌ من «نِعْمَتِي» بدلُ اشتمال، وكأنه في المعنى يفسِّر النعمة.
والثالث: أنه حالٌ من «نِعْمَتِي» ، قاله أبو البقاء.
والرابع: أن يكون مفعولاً به على السَّعَة، قاله أبو البقاء - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - أيضاً قال شهاب الدين: هذا هو الوجهُ الثاني - أعني البدليةَ -، وقرأ الجمهور «أيَّدتُّكَ» بتشديد الياء، وغيرهم «آيدتُّكَ» وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك في سورة البقرة مُشْبَعاً، ومعنى الآية الكريمة: أي: قَوْمَك بِمَا يَجُوزُ من الأَيْدِ، وهو القُوَّة.
فصل
المرادُ بِرُوحِ القُدُسِ: جبريل - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، والقُدُس: هو اللَّهُ تعالى، كأنَّه أضافَهُ إلى نَفْسِهِ تَعْظِيماً، وقيل: إنَّ الأرْوَاحَ مُخْتَلِفَةٌ بالماهِيَّةِ: فمنها طَاهِرَةٌ نُورَانيَّةٌ، ومنها خَبِيثة ظُلْمانيَّة، ومنها: مُشْرِقَة ومنها كَدِرة، ومنها خَيِّرَةٌ ومنها نَذِلَةٌ؛ ولهذا قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -:
«الأرْواح جُنُودُ مُجَنَّدةٌ» ، فاللَّهُ تعالى خصَّ عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بالرُّوح الطَّاهِرة النُّورَانِيَّة المُشْرقَة العُلويَّة الخيِّرةِ، ولقائل أن يقول: لما دلَّت هذه الآيَةُ على أنَّ تأييد عيسى إنَّما حَصَلَ من جِبْرِيل، أو بسبَبِ رُوحِهِ المُخْتَصَّةِ، وهذا يَقْدَحُ في دلالةِ المُعْجِزَات على صِدْقِ الرُّسُلِ - عليهم الصلاة والسلام -، ولم تُعْرفُ عِصْمَة الرُّسُل - عليهم السلام - قَبْلَ العِلْمِ بعصْمَةِ جبريل - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فيلزم الدَّوْر.
فالجواب: قال ابن الخطيب: ثبت من أصْلِنَا أنَّ الخَالِقَ ليْسَ إلَاّ اللَّهُ، وبه يَنْدَفِعُ السُّؤال.