قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: أرسلهُ اللَّهُ وهو ابنُ ثلاثينَ فَمَكَث في رسالته ثلاثين شَهْراً، ثُمَّ إنَّ الله رَفَعَهُ إلَيْهِ.
قال المُفَسِّرُون: يُكَلِّم النَّاسَ في المَهْد وكَهْلاً، في مَوْضِع الحال، والمعنى: يُكلِّمُ النَّاسَ طِفْلاً وكَهْلاً من غير أن يتفاوت كلامُهُ في هذين الوقْتَيْن، وهذه خَاصَّةٌ شَرِيفَةٌ لم تَحْصُلْ لأحدٍ من الأنْبِيَاء، وقد تقدَّم الكلام في [الآية ٤٦] آل عمران، ما فائدة قوله:{فِي المهد وَكَهْلاً} .
قوله:{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} قيل: الكِتَابُ، الشَّريعةُ، وقيل: الخَطُّ، وأمَّا الكَلِمَةُ فقيل: هي العِلْمُ والفَهْمُ، وذكر التَّوْراة والإنجيلَ بعد الكِتَاب على سَبيلِ التَّشْرِيف، كقوله - تبارك وتعالى -: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ}[الأحزاب: ٧] ، وقوله:{وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة: ٩٨] ، فإنَّما ذكر التَّوراة والإنجيلَ بعد ذِكْرِ الكتابِ؛ لأنَّ الاطِّلاع على أسْرَار الكُتُبِ الإلهِيَّة لا يحصلُ إلَاّ لمن كانَ ثَابِتاً في أصْنَافِ العُلُوم الشَّرْعِيَّةِ والفِعْلِيَّة.
فقوله:«التَّوْراة والإنْجِيلَ» : إشارةٌ إلى الأسْرَار التي لا يطَّلِعُ عليْهَا أحدٌ إلَاّ الأكَابِرَ من الأنْبِيَاء.
قرأ ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «فَتَنْفُخُهَا» بحذف حرف الجر اتساعاً وقرأ الجمهور: «فتكونُ» بالتاء منقوطةً فوقُ، وأبو جعفر منقوطةً تحتُ، أي: فيكونُ المنفوخُ فيه، والضمير في «فِيهَا» قال ابن عطيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «اضطربَتْ فيه أقوال المفسِّرين» ؛ قال مكيٌّ:«هو في آل عمران [الآية ٤٩] عائدٌ على الطَّيْر، ولا على الطين، ولا على الهيئة؛ لأنَّ الطير أو الطائر الذي يَجِيء الطِّين على هيئته، لا يُنْفَخُ فيه ألبتة، وكذلك لا نفخَ في هيئته الخاصَّة به، وكذلك الطينُ إنَّما هو الطينُ العامُّ، ولا نفخَ في ذلك» ، وقال الزمخشريُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:«ولا يرجِعُ الضميرُ إلى الهيئةِ المضافِ إليها؛ لأنها ليست من خَلْقِه، ولا مِنْ نفخه في شيء، وكذلك الضميرُ في فَتَكُون» ، ثم قال ابنُ