تعليمه، وشُكرِ السلطانِ على عَدْلَه، وشكر المُحسِن على إحسانه، قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ» فالواجبُ أنَّ المَحْمُودَ والمَشْكُورَ في الحقيقة هو اللَّهُ تعالى؛ لأنَّ صدور الإحسان من [قلب] العَبْدِ يتوقف على حُصُول داعية الإحسان في قلب العبد، وحصول تلك الدَّاعية في القلب ليس من العَبْدِ، وإلَاّ لافْتَقَرَ في حصولها إلى داعيةِ أخْرَى، ولَزِمَ التَّسلسُلُ، بل حصولها ليس إلَاّ من اللَّهِ تعالى، فتلك الدَّاعِيةُ عند حصولها يجب الفعلِ، وعند زوالها يَمْتَنعُ الفِعْلُ فيكون المحسنُ في الحقيقة لَيْسَ إلَاّ اللَّه تبارك وتعالى، فيكون المُسْتَحِقُّ لكُلِّ حَمْدٍ في الحقيقةِ هو اللَّه تعالى.
وأيضاً فإنَّ إحْسَانَ العَبْدِ إلى الغَيْرِ لا يَكْمُلُ إلَاّ بواسطة إحْسَانِ اللهِ تعالى؛ لأنَّه لولا أنَّ اللَّهَ - تعالى - خَلَقَ أنواع النِّعَمِ، وإلَاّ لم يقدر الإنسانُ على إيصالِ تلك الحِنْطَةِ والفواكه إلى الغَيْرِ، فظهر أنَّه لا محسن في الحقيقة إلاِّ اللَّهُ تعالى، ولا مُسْتَحِقَّ للحمد في الحقيقة إلا الله، فلهذا قال:«الحمد لله» .
فصل في بيان قوله:«الحمد لله» بالألف واللام
وإنَّما قال:«الحَمْدُ للَّهِ» ولم يقل: أحْمَدُ اللَّهَ؛ لأنَّ الحَمْدَ صفةُ القلب، فرُبَّمَا احْتَاجَ الإنسان إلى أن يذكر هذه الَّفْظَة حال كونه غافلاً عند اسْتِحْضَارَ معنى الحَمْدِ، فلو قال وقت غَفْلَتِهِ: أحْمَدُ الله [تبارك وتعالى] كان كَاذِباً، واسْتَحقٌّ عليه الذَّنْب والعِقَاب حيثُ أخبر عن وجود شيءٍ لم يُوجَدْ، فإذا قال: الحَمْدِ لله، فمعناه أنَّ ماهيَّةَ الحَمْدِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، وهذا حقٌّ وصدقٌ، سواء كان معنى الحَمْدِ حَاضراً في قَلْبِه، أو لم يَكُنْ، وكان الكلام عِبَادَةٌ شَرِيفةً وطاعةً، وظَهرَ الفَرْقُ، واللَّهُ أعلمُ.