وسادسها: قال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خليفةً يفعل كذا وكذا، قالوا: أتجعل فيها الَّذي علمناه أم غيره.
قوله:«ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» الواو: للحال، و «نحن نسبح» : جملة من مبتدأ وخبر في محلٍّ النصب على الحال.
و «بحمدك» : متعلّق بمحذوف؛ لأنه حالٌ أيضاً، و «الباء» فيه للمصاحبة أي: نسبّح ملتبسين بحمدك، نحو: جاء زيدٌ بثيابه. فهما حَالَانِ مُتَدَاخِلان، أي حال في حال.
وقيل:«الباء» للسببية فتتعلّق بالتسبيح، قل «بن عطية» : ويحتمل ن يكون قولهم: «بحمدك» اعتراضً بين الكلامين، كأنهم قلوا: ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضا على جهة التسليم، أي: وأنت المَحْمُودُ في بالهداية إلى ذلك وكأنه يحاول أنه تكون «الباء» فعلاً محذوفاً لائقاً بالمعنى تقديره: حصل لنا التسبيح والتقديس بسبب حمدك.
و «الحمد» هنا: مصدر مُضَاف لمفعوله، وفاعله محذوف تقديره بحمدنا إيّاك، وزعم بعضهم أنّ الفاعل مضمر فيه، وهو غلط؛ لأنَّ المصدر اسم جامد لا يضمر فيه على أنه قد حكي الخِلَاف في المصدر الواقع موقع الفِعْل، نحو:«شرياً زيداً» هل يتحمّل ضميرً أو لا وقد تقدم.
و «نُقَدِّسُ» عطف على «نُسَبِّحُ» فهو خير أيضاً عن «نحن» ، ومفعوله محذوف أي: نقدس أنفسنا وأفعالنا لك.
و «لك» متعلّق به، أو ب «نسبح» ومعناها العلّة.
وقل: زائدة، فإنَّ ما قبلها متعدٍّ بنفسه، وهو ضعيف، إذ لا تُزادَ «اللام» إلا مع تقديم المعمول، أو يكون العامل فرعاً.
وقيل: هي مُعَدِّيَةٌ: نحو: «سجدت لله» .
وقيل: للبيان كهي في قولك: «سُقْياً لك» فعل هذا تتعلّق بمحذوف، ويكون خبر مبتدأ مضمر أي: تقديساً لك.
وهذا التقدير أحسن من تقدير قولهم: أعني؛ لأنه أليق بالموضع. وأبعد من زعم أن جملة «ونحن نسبح» داخلة في حيز استفهام مقدر تقديره: وأنحن نسبح أم نتغير؟ واستحسنه ابن عطية مع القول بالاستفهام المحض في قولهم:«أتجعل» وهذا يأباه الجمهور، أعني: حذف همزة الاستفهام من غير ذكر «أم» المعادلة وهو رأي «الأخفش» وجعل من ذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}[الشعراء: ٢٢] أي: وأتلك نعمة.