إليه رؤوس المشركين، وقالوا: تَخَيَّرْ من أصْبَحِنَا وَجْهاً وادْفَعْ إلينا محمداً، فقال أبو طالب: ما أنْصَفْتُمُونِي أدْفَعُ إليكم ولدي لِتَقْتُلُوهُ وأرَبِّي وَلَدَكُمْ.
وروي أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دَعَاهُ إلى الإيمان فقال: لولا أن تُعِيِّرُني قُرَيْشٌ لأقرت بها عَينكَ، ولكن أذُبُّ عنك ما حييتُ، وقال فيه أبياتاً:[الكامل]
أحدهما: أنَّ جميع الآيات المتقدمة في ذَمِّ طريقتهم، فلذلك كان يبغي أن يكون قولهم:«وهم ينهون عنه» مَحْمُولاً على أمْرٍ مذموم، وإذا حملناه على أنَّ أبا طالبٍ كان ينهى عن إيذائه لما حصل هذا النَّظْمُ.
وثانيهما: قوله تبارك وتعالى بعد ذلك: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُم} يعني به ما تقدم ذكره، ولا يَليقُ ذلك النهي عن أذِنَّيِهِن لأن ذلك حسن لا يوجب الهلاك.
فإن قيل: إنَّ {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُم} يرجع إلى قوله: {يَنْأوْنَ عَنْهُ} لا قوله: «ينهون عنه» ؛ لأن المراد بذلك أنهم يبعدون عنه بمُفَارَقَةِ دينه وترك موافقته وذلك ذَمٌّ.
فالجوابُ أن ظاهر قوله:{وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُم} يرجعُ إلى كل ما تقدَّمَ ذِكْرُهُ، كما يقال:«فلان يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه، ولا يَضُرُّ بذلك إلَاّ نفسه» ، فلا يكون هذا الضرر متعلّقاً بأحد الأمرين دون الآخر.