وأمَّا العقلاءُ والحُصفَاء فَقلّما يحصلُ لهم خوضٌ في اللعب واللهو وكذلك الالتذَادُ بطيبات الدنيا لا يحصل إلا للمغفّلين الجُهَّال بحَقَائق الأمور.
وأما المحققون فإنهم أن كل هذه الخيرات غُرُورٌ وليس لها في نفس الأمر حقيقة معتبرةٌ.
قوله:«وللدَّارُ الآخرةُ» قرأ الجمهور بلامين، الأولى لام الابتداء، والثانية للتعريف، وقرأوا «الآخرةُ» رفعاً على أنها صَفَةٌ ل «الدار» و «خَيْرٌ» خبرها.
وقرأ ابن عامر:«ولَدَارُ» بلامٍ واحدة هي لام الابتداء، و «الآخرةِ» جرُّ بالإضافة، وفي هذا القراءة تأويلان:
أحدهما: قول البصريين، وهو [أنه] من باب حَذْفِ الموصوف، وإقامة الصفة مُقَامَهُ، والتقدير: ولَدَارُ السَّاعةِ الآخرة، أو لَدَارُ الحياة الآخرة، يِدُلُّ عليه {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا} ومثله قولهم: جَبَّةُ البَقْلَةِ الحَمْقَاءِ، ومَسْجِدُ المَكَانِ الجَامِعِ، وصلاةُ السَّاعَةِ الأولَى، ومكانُ الجَانِبِ الغَرْبِيّ] .
وحَسَّن ذلك ايضاً في الآية الكريمة كونُ هذه الصفة جَرَتْ مجرى الجوامد في إيلائها العوامل كثيراً، وكذلك كلُّ ما جاء مما تُوُهِّمَ فيه إضَافَةُ الموصوف إلى صفته، وإنما احتاجوا إلى ذلك [كثيرا لئلا يلزم] إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنعٌ؛ لأن الإضافة إمَّا للتعريف، أو للتخصيص، والشيء [لا يعرف نفسه] ولا يُخَصِّصُهَا، وهذا مَبْنِيُّ على أنَّ الصِّفَةَ نفس الموصوف، وهو مشكلن لأنه لا يعقل تصور المصوصوف وصَفَتُهُ جازت إضافته إليها، وأوردوا ما قدَّمْتُهُ من الأمثلة.
قال الفرَّاء: هي إضافة الشيء إلى نفسه، كقولك:«بَارِحَةُ الأولى» و «يوم الخميس» و «حَقُّ اليقين» ، وإنما يجوز عند اختلاف اللَّفظَيْنِ وقراءة ابن عامر موافقة لمُصْحَفِهِ، فإنها رسمت في مصاحق الشَّاميين بلامٍ واحدة.