قال الزمخشري. وفيه نَظَرٌ من حيث إنه يُؤدِّي إلى أنه يصير التقدير: ولا أقُولُ لكم: لا أعلم الغَيْبَ وليس بصحيح.
والثاني: أنه معطوف على» لا أقول «لامَعْمُولٌ، فهو أمَرَ أن يخبر عن نَفْسِهِ بهذه الجُمَلِ الثلاث فهي معمولة للأمر الذي هو» قل «، وهذا تخريج أبي حيَّان قال بعد أن حكى قول الزَّمخشري:» ولا يتَعيَّنُ ما قاله، بل الظَّاهرُ أنه مَعْطُوفٌ على لا أقول «إلى آخرة.
فصل في معنى الآية
والمعنى: أن القوم يقولون: إن كنت رَسُولاً من عند اللَّهِ، فلا بُدَّ وأن تخبرنا عمَّا سَيَقَعُ في المستقبل من المَصَالِحِ المضارِّ حتى نَسْتَعِدَّ لتحصيل تكل المنافع، ولدفع تلك المَضَارِّ، فقال تعالى:» قل إني لا أعلم الغيب ولا أقول: إنّي ملك «ومعناه: أنهم كانوا يقولون: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسواق}[الفرقان: ٧] ويتزوج ويخالط الناس، فقال تعالى: قل بهم: إني لست من الملائكة.
فصل في بيان فائدة هذه الأحوال
اختلفوا في الفائدةِ من ذكر هذه الأحْوَالِ الثلاثة، فقيل: المرادُ منه أ، يَظْهِرَ الرسول من نَفْسِه التَّواضُع لله، والاعتراف بِعُبُوديَّتِهِ حتى لا يعتقد فيه مثل اعقاد النَّصارى في المسيح عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وقيل: إن القوم كاوا يَقْتَرِحُون عليه إظْهَارَ المعجزات القاهرة، كقولهم:{لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً}[الإسراء: ٩٠] فقال تعالى في آخر الآية: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلَاّ بَشَراً رَّسُولاً}[الإسراء: ٩٣] يعني: أنَا لا أدَّعِي إلَاّ الرسالةَ والنُّبُوَّة، وهذه الأمور التي طلبتموها، فلا يمكن تحصيلها إلَاّ بقدرة الله.
وقيل: المُرَادُ من قوله: {لا أقُولُ لكُمْ عِنْدِي خزائِنُ اللَّهِ} ، أي: لا أدَّعي كوني مَوْصُوفاً بالقُدْرَةِ، ولا أعلم الغَيْبَ، أي: ولا أدَّعي كَوْنِي موصوفاً بعلم الله تعالى، وبمجموع هَذَيْنِ الكلامين حَصَلَ أنه لا يدَّعِي الإلهيَّة.
ثُمَّ قال: «ولا أقول لكم: إني ملك» وذلك؛ لأنه ليس بعد الإلهيَّةِ دَرَجَةٌ أعلى حالاً من الملائكة فصار حاصل الكلام كأنَّهُ يقول: لا أدَّعي الإلهية، ولا أدَّعي الملكيَّة، ولكن أدَّعي الرِّسالة، وهذا مَنْصِبٌ لا يمتنع حصُوله [للبشر] فكيف أطْبَقْتُمْ على استنكار قولي.