وقال أبو البقاء: «وقرئ شاذاً» «تَتَوفَّاهُ» على الاسْتِقْبَالِ، ولم يذكر بياء ولا تاء.
فصل في بيان أن الوفاة من الله
قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا} [الزمر: ٤٢]
وقال: {الذي خَلَقَ الموت والحياة} [تبارك: ٢] وهذان النَّصانِ يَدُلَاّنِ على أنَّ توفي الأرواح ليس إلَاّ من اللَّهِ.
وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١] وهذا يقتضي أن الوفاة لا تحصلُ إلَاّ من ملك الموت.
وقال في هذه الآية: «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا» ، فهذه النصوص الثلاثة كالمُتَنَاقضة.
والجوابُ: أن التَّوَفِّي في الحقيقة إنما حَصَلَ بِقُدْرَةِ الله تعالى، وهو في الظاهر مُفَوَّضٌ إلى مَلَكِ الموت، وهو الرئيس المُطْلَق في هذا الباب، وله أعْوَانٌ وخدمٌ فَحَسُنَتْ إضافة التَّوَفِّي إلى هذه الثلاثة بحسبِ الاعتبارات الثلاثة.
وقيل: أراد بالرُّسُلِ ملك الموت وحده، وذكر الواحد بلفظ الجمع.
وجاء في الأخبار أنَّ اللَّه - تعالى - جعل الدُّنْيَا بين يدي مَلَكِ الموت كالمائدةِ الصَّغيرة، فَيَقْبِضُ من هاهنا، ومن هاهنا، فإذا كَثُرَت الأرواح يدعو الأرواح فتيجيب له.
فصل في بيان أن الحفظة لا شأن لهم بالموت
قال بعضهم: هؤلاء الرُّسُلُ الذين يَتَوفَّون الخلْقَ هم الحفظةُ بحفظونه في مُدَّةِ الحياة، وعند مجيء الموْتِ يِتوفَّوْنَهُ، والأكثرون على أنَّ الحفظةَ غير الذين يَتَولَّونَ الوفاة.
قوله: «وهُمْ لا يُفَرِّطُونَ» هذه الجملة تحتمل وجهين:
أظهرهما: أنها حالٌ من «رسلنا» .
والثاني: أنها اسْتِئْنَافِيَّةٌ سيقت للإخبار عنهم بهذه الصِّفة، والجمهور على التشديد في «يُفَرِّطُون» ، ومعناه: لا يُقَصِّرُون.
وقرأ عمرو بن عُبيد والأعرج «يُفْرطُون» مخففاً من «أفرط» ، وفيها تأويلان:
أحدهما: أنها بمعنى: لا يجاوزون الحَدَّ فيما أمِرُوا به.