قال الزمخشري: «فالتفريط: التَّوَاني والتأخير عن الحَدِّ، والإفراطُ مُجَاوَزَةُ الحدِّ أي: لاينقصون مما أمروا بِهِ، ولا يزيدون» .
والثاني: أنَّ معناه لا يتقدَّمُون على أمْرِ الله، وهذا يحتاج إلى نَقْلِ أنَّ «أفْرَطَ» بمعنى «فَرَّط» ، أي: تقدَّم.
قال الجَاحِظُ قريباً من هذا فغنه قال: «معنى لا يُفْرِطون: لا يدعون أحَداً يَفْرُط عنهم، أي: يَسْبِقُهُمْ ويفوتهم» .
وقال أبو البقاء: ويقرأ بالتخفيف، أي: لا يزيدون على ما أمِرُوا به، وهو قريبٌ مما تقدَّم.
قوله: «ثُمَّ رُدُّوا إلى الله» .
قيل: المردود: هم الملائكة يعني كما يَمُوتُ ابن آدم تموت أيضاً الملائكة.
وقيل: المراد: البَشَرُ يعني: أنههم بعد موتهم يُرَدُّون إلى اللَّهِ تعالى. وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الإنسانَ ليس مُجَرَّدَ هذه البنية؛ لأن صريح هذه الآية يَدُلُّ على حُصُولِ الموْتِ لِلْعَبْدِ، ويَدُلُّ على أنه بعد الموْتِ يُردُّ إلى اللَّهِ، والميِّتُ مع كونه مَيِّتاً لا يمكن أن يرد إلى اللَّهِ؛ لأن ذلك الرَّدَّ ليس بالمكان والجهة لكونه - تعالى - مُتَعَالياً عن المكان والجهة، فوجب أن يكون ذلك الرَّدُّ مُفَسَّراً بكونه مُنْقَاداً لِحُكْمِ اللَّهِ.
وما لم يكن حَيَّاً لم يَصِحَّ هذا المعنى فيه.
وقد ثبت أنَّ ها هنا مَوْتاً وحياة، أما الموت فنصيب البدنِ، فبقى أن تكون الحياةُ نَصِيبَ النَّفْسِ والروح، فلمَّا قال تعالى: {ثُمَّ ردوا إلى الله} ثبت أنَّ المَرْدُودَ هو النَّفْسُ والرُّوحُ، وثبت أن الإنسان ليس إلَاّ النَّفْسُ والروح، وهو المطلوب.
فصل في عموم الآية
الآية في المؤمنين والكافرين جمعياً، وقد قال في آية أخرى {وَأَنَّ الكافرين لَا مولى لَهُمْ} [محمد: ١١] فكيف وجه الجمع؟
فقيل: المَوْلَى في تلك الآية بمعنى النَّاصر، ولا نَاصِرَ لِلْكُفَّارِ، والمولَى هاهنا بمعنى الملكِ الذي يتولَّى أمُورَهُمْ، والله - عزَّ وجلَّ - مَالِكُ الكُلِّ ومُتولِّي أمورهم.
وقيل: المارد هاهنا - المؤمنين خاصَّة يُرَدُّونَ إلى مَولاهُمْ، والكُفَّارُ فيه تَبَعٌ.
قوله: «مَوْلاهُمُ الحَقُّ» صِفتانِ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ.
وقرأ الحسنُ، والأعمش: «الحقَّ نَصْباً، وفيه تأويلان: