والثاني: أنه نَعْت مَصْدر محذوف، أي: رَدُّوا الرَّدَّ الحقَّ لا الباطل، وقرئ رِدُّوا بكسر الرَّاء، وتقدَّم تخريجها.
والضميرُ في» مَوْلاهم «فيه ثلاثة أوجهٍ:
أظهرها: أنه للعباد قوله:» فَوْقَ عِبَادِهِ «فقوله: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} التِفَاتٌ؛ إذ الأصل: ويرسل عليهم، وفائدة هذا الالتِفَاتِ والتَّنْبِيهُ والايقَاظُ.
والثاني: أنه يعود على الملائكة المعنيّين بقوله: «رسلنا» يعني انهم يموتون كما يموت بَنُو آدَمَ، ويُرَدُّون إلى ربِّهِمْ كما تقدَّم.
والثالث: أنه يعود على «أحدٍ» في قوله: {جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت}[الأنعام: ٦١] ؛ إذ المراد به الجَمْعُ لا الإفراد.
قوله:«ألَا لَهُ الحُكْمُ» ، أي: لا حُكْمَ إلَاّ لِلَّهِ؛ لقوله:{إِنِ الحكم إِلَاّ للَّهِ}[يوسف: ٤٠] ، والمراد بالحُكْمِ القضاء «وهُوَ أسْرَعُ الحَاسِبينَ» ، أي: حسابه يرفع لا يحتاج إلى فِكْرٍ ورويَّةٍ، واختلفوا في كيفية هذا الحساب، فقيل: إنه - تعالى - يحاسب الخَلْقَ بنفسه دفعة واحدةً لا يشغله كلامٌ عن كلامٍ.
وقيل: بل يأمر اللَّهُ الملائكة أن يحاسب كُلُّ واحدٍ منهم واحداً من العبادِ؛ لأنه - تعالى - لوحاسبَ الكُفَّار بنفسه لتكلَّم معهم، وذلك بَاطِلٌ؛ لقوله تعالى في صِفَةِ الكُفَّارٍ:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ القيامة}[البقرة: ١٧٤] .
فصل في رد شبهة حدوث الكلام
أحْتَجَّ الجُبَّائي بهذه الآيةِ على حُدُوثِ كلام اللَّهِ.
قال: لو كان كلامُهُ قديماً لوجب أن يكُون مُتَكلماً بالمُحَاسَبَةِ الآن، وقبل خلقه، وذلك مَحَالٌ؛ لأن المُحَاسَبَة تقتضي حكاية عمل تقدَّم.
وأجيب بالمُعَارَضَةِ بالعِلْمِ، فإنه تعالى كان قبل المَعْلومِ عالماً بأنه سَيُوجد، وبعد وجوده صار عالماً بأنه وجد قبل ذلك، ولم يَلْزَمْ منه تَغَيُّرُ العلم، فَلِمَ لا يجوز مثله في الكلام. والله أعلم.