ويدلُّ على أنه أراد بقوله:«أن نسلم» في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك: ويجوز أن يكون التقدير: وأمرنا لأن نسلم، ولأن أقيموا، أي للإسلام ولإقامة الصلاة، وهذا قول الزَّجَّاجِ، فلو لم يكن هذا القول مغايراً لقوله الأوَّل لاتَّحَدَ قَوْلَاهُ، وذلك خُلْفٌ.
قال الزَّجَّاج:«أن أقيموا» عطف على قوله «» لنسلم «، تقديره: وأمرنا لأن نسلم، وأن أقيموا.
قال ابن عطية: واللَّفْظُ يُمانِعُهُ، لأن» نسلم «معرب، و» أقيموا «مبني، وعطف المبني على المعرب لا يجوز، لأن العطف يقتضي التَّشْرِيكَ في العامل.
قال أبو حيان: وما ذكر من أنه لا يعطف المبني على المعرب ليس كما ذكر، بل يجوز ذلك نحو:» قام زيد وهذا «، وقال تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار}[هود: ٩٨] غَايَةُ ما في الباب أن العامل يُؤثِّرُ في المعرب، ولا يُؤثِّرُ في المبني، وتقول:» إن قام زيد ويقصدني أكرمه «، ف» إن «لم تُؤثِّرْ في» قام «؛ لأنه مبني، وأثرت في» يقصدني «؛ لأنه معرب ثم قال ابن عطية:» اللهم إلا أن تجعل العطف في «إن» وحدها، وذلك قلق، وإنما يَتَخَرَّجُ على أن يقدر قوله:«وأن أقيموا» بمعنى «ولنقم» ، ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالةِ اللفظ، فجاز العطفُ على أن يلغي حكم اللفظ، ويعول على المعنى، ويشبه هذا من وجهة ما حكاهُ يونس عن العرب: ادخلوا الأوَّل فالأوَّل، وإلا فلا يجوز إلَاّ الأول فالأوَّل بالنصب «.
قال أبو حيَّان: وهذا الذي استدركه بقوله: «اللهم إلا» إلى آخره هو الذي أراده الزَّجَّاج بعينه، وهو «أن أقيموا» معطوف على «أن نسلم» ، وأن كليهما عِلَّةٌ للمأمور به المحذوف، وإنما قلق عند ابن عطية؛ لأنه أراد بقاء «أن أقيموا» على معناها من موضوع الأمر، وليس كذلك؛ لأن «أنْ» إذا دخلت على فعل الأمر، وكانت المصْدَرِيَّةَ انْسَبَكَ منها ومن الأمر مصدر، وإذا انْسَبَكَ منهما مصدر زال معنى الأمر، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن تُوصَلَ «أن» المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي والأمر.
قال سيبويه: وتقول: كتبت إليه بأن قم، أي بالقيام، فإذا كان الحكم كذا كان قوله:«لنسلم» و «أن أقيموا» في تقدير الإسلام ولإقامة الصلاة، وأما تشبيه ابن عطيَّة له بقوله: ادخلوا الأوَّل فالأول: بالرفع، فليس بتشبيهح لأن ادخلوا لايمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلَّطَ على ما بعده، بخلاف «أنْ» فإنها تُوصَلُ بالأمرِ، فإذن لا شبه بينهما انتهى.