نَطْحاً شَدِيداً لا كَنَطْحِ الصُّورَينْ ... وأيَّدُوا ذلك بما ورد في الأحاديث الصحيحة، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص:«جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: ما الصُّورُ؟ قال:» قَرْنٌ يُنْفَخُ فيهِ «وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:» كَيْفَ أنْعَمُ وصَحِبُ الصُّورِ قَد التَقَمهُ وأصْغَى سمْعَهُ وَحَتَى جَبْهَتهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤمَرٍُ «. فقالوا: يا رسول الله وما تأمرنا؟ فقال:» قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ «.
وقيل في صفته: إنه قَرْنٌ مستطبل في أبخاش، وأن أرواح الناس كلهم فيه، فإذا نفخ فيه إسرافيل خرجت رُوحُ كُلِّ جسدٍ من بخش من تلك الأبخاش.
وأنحى أبو الهيثم على من ادَّعى أن الصور جمع» صُورة «، فقال:» وقد اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصور قَرْنَاً كما أنكروا العَرْشَ والميزان والصراط، وادَّعُوا أن الصور جمع «صورة» ، كالصوف جمع الصوفة، ورووا ذلك عن أبي عُبَيْدة، وهذا خطأ فاحش، وتحريف لكلام الله - عزَّ وجلَّ - عن مواضعهِ؛ لأن الله تعالى قال:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[غافر: ٦٤] و «نفخ في الصور» فمن قرأها: و «نفخ في الصور» أي بالفتح، وقرأ «فأحْسَنَ صُوْركم» أي بالسكون فقد افترى الكذب على الله - عزَّ وجلَّ - وكان أبو عبيدة صاحب أخبار غريبة ولم يكن له معرفة بالنحو «.
قال الأزْهَرِيُّ: قد احتج أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه، وهو قول أهل السنّة والجماعة انتهى.
[قال السمين: ولا ينبغي أن ينسب ذلك إلى هذه الغاية التي ذكرها أبو الهيثم] .
قال ابن الخطيب ومما يقوِّي هذا الوجه أنه لو كان المارد نفخ الروح في تلك الصورة لأضاف ذلك إلأى نَفْسِه، لأن نَفْخَ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه؛ كقوله:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}[الحجر: ٢٩] وقال: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [