قال الواحِديُّ: الاقتِدَاءُ في اللغة: الإتيان بِمِثْلِ فِعْل الأول لأجل أنه فعله و» بِهُداهِمِ «متعلق ب» اقْتَدِهْ «. وجعل الزمخشري تقديمه مُفيداً للاختصاص على قاعدته.
فصل فيما يقتدى بهم فيه
هذا خِطَابٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واختلفوا في الشيء الذي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالاقتداء بهم فيه.
فقيل: المُرَادُ أن يَقْتَدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه، وهو التوحيد والتَّنْزِيه عن كُلِّ ما لا يَلِيقُ بالباري سبحانه وتعالى في الذَّاتِ والصِّفاتِ والأفْعَالِ.
وقيل: المارد الاقْتِدَاءُ بهم في شَرَائِعِهمْ إلا ما خَصَّهُ الدليل على هذا، فالآية دَلِيلٌ على أن شَرْعَ من قبلنا يلزمنا وقيل: المراد به إقَامَةُ الدلالة على إبْطَالِ الشِّرْكِ، وإقامة التوحيد؛ لأنه ختم الآية بقوله:
{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٨٨] ثم أكد إصْرَارَهُمْ على التوحيد وإنكارهم للشرك بقوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} ثم قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} أي: اقْتَدِ بهم في نَفْيِ الشرك، وإثبات التوحيد، وتَحَمُّلِ سَفَاهَاتِ الجُهَّال.
وقال آخرون: اللفظ مُطْلَقٌ فيحمل على الكل إلَاّ ما خَصَّهُ الدَّليل المُنْفَصِلُ.
قال القاضي يبعد حَمْلُ هذه الآية على أمْرٍ الرَّسُولِ بِمُتَابَعَةِ الأنبياء المُتقدِّمين في شَرَائِعِهمْ لوجوه:
أحدهما أن شرائعهم مختلفة مُتناقِضَةٌ فلا يَصِحُّ مع تَنَاقُضِهَا أن يكون بالاقْتِدَاءِ بهم في تلك الأحْكَامِ المُتناقِضَةِ.
وثانيها: أن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العملِ، وإذا ثبت هذا، فنقولُ: دليل ثباتِ شَرْعِهِمْ كان مخصوصاً بتلك الأوْقَاتِ فقط، فكيف يُسْتَدَلُّ بذلك على اتِّبَاعِهِمْ في شرائعهم في كل الأوقات.
وثالثها: أن كونه - عليه الصَّلاة والسَّلام - مُتَّبعاً لهم في شرائعهم يوجب أن يكون مَنْصِبُهُ أقَلَّ من مَنْصِبِهِمْ، وذلك بَاطِلٌ بالإجماع، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حَمْلُ الآية على وُجُوبِ الاقْتِداءِ بهم في شَرَائِعِهمْ.
والجواب عن الأول، أن قوله: «فَبُهَداهمُ اقْتَدِه» يتناول الكل فأما ما ذكرتم من كون بعض تلك الأحْكَامِ مُتَنَاقِضَةً بحسب شرائعهم، فنقول: العام يجب تخصيصه في هذه الصُّورة، ويقى فيما عداها حُجَّة.