و «الذي» في موضع نصب وإن لم يقدر حذف التنوين كان «مصدق» خبراً و «الذي في موضع خفض، وهذا الذي قاله غَلَطٌ فاحش؛ لأن حَذْفَ التنوين إنما هو الإضافة اللفظية، وإن كان اسم الفاعل في نِيَّةِ الانفصال، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين إنما كان في يضرورة أو نُدُورٍ؛ كقوله:[المتقارب]
والنحوين كلهم يقولون في» هذا ضارب الرجل «: إن حَذْفَ التنوين للإضفاة تَخْفِيفاً؛ ولا يقول أحد منهم في مثل هذا: إنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
فصل في معنى التصديق في الآية
معنى كونه» مصدقاً لما قبله «من الكتب المنزلة قبله أنها [توافقنا في نفي الشرك وإثبات التوحيد] .
قوله: «ولتنذر» قرأ الجنهور بتاء الخطاب للرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وأبو بكر عن عصام بياء الغَيْبَةِ، والضمير للقرآن الكريم، وهو ظاهر أي: ينذر بمَواعِظِهِ وَزَواجِرِهِ ويجوز أن يعود على الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - للعلم به.
وهذه «اللام» فيها وجهان:
أحدهما: هي متعلّقة ب «أنزلنا» عطف على مُقدَّرٍ قدَّرهُ أبو البقاء: «ليؤمنوا ولتنذر» ، وقدَّرهَا الزمخشري، فقال:«ولتنذرَ معطوف على ما دَلَّ عليه صفة الكتاب، كمنا قيل: أنزلناه للبركات وليصدق ما تقدَّمَهُ من الكتب والإنذار.
والثاني: أنها متعلِّقة بمحذوف متأخّر، أي ولتنذر أنزلناه.
قوله:» أمّ القُرَى «يجوز أن يكون من باب الحَذْفِ، أي: أهل أم القُرَى، وأن يكون من باب المَجَازِ أطلق لِلْحَمْلِ إلى المحلِّ على الحال، وإنهما أولى أعني المجاز والضمير في المسألة ثلاثة أقوال، تقدم بَيَانُهَا، وهذا كقوله تعالى:{واسأل القرية}[يوسف: ٨٢] وهناك وَجْهٌ لا يمكن هنا، وهو أنه يمكن أن يكون السؤال للقرية حَقِيقَةً، ويكون ذلك مُعْجِزَةً للنبي، وهنا لا يأتي ذلك وإن كانت القرية أيضاً نفسها هنا تَتَكلَّمُ إلا أن الإنْذارَ لا يقعُ لعدَمِ فائدته.