وقوله:» ومَنْ حَوْلَهَا «عطف على» أهل «المحذوف، أي: ولتنذر مَنْ حول أمِّ القرى، ولا يجوز أن يعطف على» أم القرى «، إذ يلزم أن يكون معنى» ولتنذر «أهل من حولها ولا حَاجَةَ تدعو إلى ذلك؛ لأن» من حولها «يقبلون الإنذار.
قال أبو حيان: ولم يحذف» من «، فيعطف حول على» أم القرى «، وإنّه لا يصح من حيث المعنى؛ لأن» حول «ظَرْفٌ لا ينصرف، فلو عطف على» أم القرى «لصار مفعولاً به لعطفه على المعفول به، وذلك لا يجوز؛ لأن العرب لا تستعمله إلَاّ ظرفاً.
فصل في تسمية» مكة «
اتفقوا على أن أم القرى» مكّة «سميت بذلك؛ قال ابن عباس: لأن الأرضين دحيت من تحتها، فهي أصل الأرض كلها كالأم أصل [النسل.
قال الأصم: سميت بذلك؛ لأنها قِبْلَةُ أهل الدنيا، فصارت هي كالأصل] وسائر البلاد والقرى تابعة.
وأيضاً من أصول عبادات أهل الدنيا الحَجُّ وهو إنما يكون في هذه البَلْدَةِ، فلهذا السبب يجتمع الخَلْقُ إليها، كما يجتمع الأولاد إلى الأم.
وأيضاً فلما كان أهْلُ الدنيا يجتمعون هناك بسبب الحجِّ لا جَرَمَ يحصل هناك أنواعٌ من التجارات والمنافع ما لا يحصل في سائر البلاد، ولا شكَّ أن الكَسْبَ والتجارة من أصول المنافع، فلهذا السبب سميت» مكة «بأم القرى.
وقيل:» مكة «المشرفة أوَّلُ بلدة سُكِنَتْ في الأرض.
قوله: «من حولها» يدخل في سائر البلدان والقُرَى.
قال المفسرون: المراد أهل الأرض شَرْقاً وغرباً.
قوله:«والذين يؤمنون بالآخرة» يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه مرفوع بالابتداء، وخبره «يؤمنون» ولم يتّحد المبتدأ ولاخبر لِتَغَايُرِ متعلقيهما، فلذلك جاز أن يقع الخبر بلفظ المبتدأ، وإلا فيمتنع أن تقول:«الذي يقوم يقوم» ، و «الذين يؤمنون يؤمنون» ، وعلى هذا فذكر الفضلة هنا واجب، ولم يتعرَّضِ النحويون لذلك، ولكن تعرضوا لِنَظَائِرِهِ.
والثاني: أنه مَنْصُوبٌ عَطْفاً على «أم القرى» أي: لينذر الذين أمنوا، فيكون «