يطلى به من الزَّعْفران، ومنه قيل للقدح الذي يتناول به الماء: غمر، وفلان مُغَامِرِ إذا رمى بنفسه في الحَرْبِ، إما لِتَوغُّلِهِ وخوضه فيه، وإما لِتَصَوُّر الغمار منه.
قوله:«والملائِكَةُ بَاسِطُوا أيديهم»[جملة في محل نَصْبٍ على الحال من الضمير] المستكن في قوله: «في غمرات» ، و «أيديهم» خفض لفظاً، وموضعه نصب أي: باسطو أيديهم بالعذابِ يضربون وجُوهَهُمْ وأدبارهم وقوله «أخرجوا» منصوب المحل بقول مضمر، والقول يُضْمر كثيراً، تقديره: يقولون: أخرجوا، كقوله:{يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم}[الرعد: ٢٣، ٢٤] أي: يقولون: سلام عليكم، وذلك القول المضمر في مَحَلِّ نصب على الحال من الضمير في «باسطو» .
فإن قيل: إنه لا قُدْرَةَ لهم على إخْرَاجِ أرواحهم من أجسادهم، فما الفائدة في هذا الكلام؟
فالجواب: أن في تفسير هذه الكلمة وجوه:
أحدهما: ولو ترى الظَّالمين إذ صاروا إلى غمراتِ الموْتِ في الآخرة، فأدخلوا جهنم، وغمراتُ الموت عِبَارةٌ عما يصيبتهم هناك من أنواع الشَّدائِدِ والعذاب، والملائكة باسطو أيديهم [عليهم بالعذابِ] يُبَكِّتُونَهُمْ بقولهم: أخرجوا أنفسكم من هذا العذابِ الشديد إن قدرتم.
وثانيها: أن المعنى «ولو ترى إذ الظالمون في غمراتِ الموتِ» عند نزول الموت في الدنيا، والملائكة باسطو أيديهم لِقَبْضِ أرواحهم يقولون لهمك أخرجوا أنفسكم من هذه الشَّدائدِ، وخَلِّصُوهَا من هذه الآلام.
وثالثها:«أخرجوا أنفسكم»[أي: أخرجوها إلينا] من أجسادكم، وهذه عبارة عن العُنْفِ والتشديد في إزْهَاقِ الروح من غير تنْفِيسٍ وإمهال كما يفعل الغريمُ الملازم المُلحُّ، ويقول: أخرج مَا لِي عَلَيْكَ السَّاعة، ولا أبرح من مكاني حتى أنْزعَهُ من أحْدَاقِكَ.
ورابعها: أن هذه اللَّفظة كناية عن شِدَّةِ حالهم، وأنهم بلغوا في البلاء الشديد إلى حيث يتولَّى بنفسه إزْهَاقَ ورحه.
خامسها: أنه ليس بأمر، بل هو وعيدٌ [وتقريع] كقول القائل: امضِ الآن لترى ما يحلُّ بك.
قوله:«اليوم تُجْزَوْنَ» في هذا الظرف وجهان:
أظهرهما: انه مَنْصُوبٌ ب «أخرجوا» بمعنى: أخروجوها من أبدانكم، فهذا القول في الدنيا، ويجوز أن يكون في يوم القيامةِ، والمعنى خَلَّصُوا أنفسكمن من العذابِ، كما تقدَّم، فالوقف على قوله:«اليوم» ، والابتداء بقوله:«تُجْزَونَ عذابَ الهُونِ» .