والثاني: أنه منصوب ب «تجزون» والوقف حينئذ على «أنفسكم» ، والابتداء بقوله: «اليوم» والمراد ب «اليوم» يحتمل أن يكون وقتَ الاحتضار، وأن يكون يوم القيامة، و «عذاب» معفول ثانٍ، والأول قام مقام الفاعل.
والهُون: الهَوَان؛ قال تعالى: {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ} [النحل: ٥٩] .
وقال ذو الأصبع: [البسيط]
٢٢٣٧ - إذْهَبْ إلَيْكَ فَمَا أمِّي بِرَاعِيَةٍ ... تَرْعَى المخَاضَ ولا أغْضِي على الهُونِ
وقالت: الخَنْسَاءُ: [المتقارب]
٢٢٣٨ - يُهِينُ النُّفُوسَ وهُونُ النُّفُو ... سِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ أبْقَى لَهَا
واضاف العذابَ إلى الهُونِ إيذاناً بأنه متمكنٌ فيه، وذلك إنه ليس كل عذاب يكون فيه هُونٌ؛ لأنه قد لا يكون فيه هُونٌ، لأنه قد يكون على سبيل الزَّجْرِ والتأديب ويجوز أن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته، وذلك أن الأصْلَ العذاب الهُون وصف به مُبَالغَة، ثم أصافه إليه على حَدِّ إضافته في قولهم: بَقْلَةُ الحمقاَءِ ونحوه، ويدل عليه أن الهُونَ بمعنى قراءة عبد الله وعكرمة كذلك.
و «الهَوْن» بفتح الهاء: الرِّفْقُ والدَّعة؛ قال تبارك وتعالى: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً} [الفرقان: ٦٣] .
واعلم أنه - تبارك وتعالى - جمع هناك بين الإيلامِ والإهانَةِ، فكما أن الثواب شَرْطُهُ أن يكون منْفَعَةً معروفة بالتعظيم، فكذا العقاب شرطه أن يكون مَضَرَّةً مقرونة بالإهانِةِ.
قوله: «بِمَا كُنْتُمْ» «ما» مصدرية، أي: بكونكم قائلين غير الحقَّ، وكونكم مستكبرين و «الباء» متعلقة ب «تجزون» أي: بسببه، و «غير الحق» نصبه من وجهين:
أحدهما: أنه مفعول به، أي تذكرون غير الحق.
والثاني: أنه نَعْتُ مَصْدَرٍ محذوف، أي: تقولون القول غير الحق.
وقوله: «وكنتم» يجوز فيه وجهان:
أظهرهما: أنه عطف على «كنتم» الأولى، فتكون صَلَةً كما تقدم.
والثاني: أنها جملة مُسْتَأنَفَة سيقت للإخبار بذلك و «عن آياته» متعلّق بخبر «كان» ، وقدم لأجل الفواصل، والمراد بقوله: «كنتم عن آياته تَسْتَكِبرُونَ» أي: تَتَعَظَّمُونَ عن الإيمان بالقرآن لا تُصَدِّقُونَهُ.