ويقال: فَرِدَ يَفْرُدُ فُرُوداً فهو فَارِدٌ، وأفردته أنا، ورجل أفْردُ، وامرأة فَرْدَاءُ كأحمر وحمراء، والجمع على هذا فُرْدٌ كحُمْر، ويقال في فُرَادى:«فَرَاد» على زِنَةِ «فعال» ، فينصرف، وهي لغة «تميم» وبها قرأ عيسى بن عمر، وأبو حيوة:«وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فَرَاداً» وقال أبو البقاء: وقرئ بالشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح، فقال في الرفع فُرَادٌ مثل:«تُؤام ودخال وهو جمع قليل» . انتهى.
ويقال أيضاً «جاء القوم فُرَادَ غير منصرف، فهو كَأحاد ورُبَاع في كونه معدولاً صفة، وهو قرءاة شاذّة هنا.
وروى خارجة عن نافع، وأبي عمرو كليهما أنهما قرأ» فُرَادَى «مثل سُكَارَى» اعتباراً بتأنيث الجماعة، كقوله تبارك وتعالى:{وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى}[الحج: ٢] فهذه أربع قراءات مشهورة، وثلاث في الشواذ فراداً كأحاد، فَرْدَى كَسَكْرَى.
قوله:«كَمَا خَلَقْناكُمْ» في هذه أوجه:
أحدها: أنها مَنْصُوبَةُ المحل على الحال من فاعل «جئتمونا» فمن أجاز تَعَدُّدَ الحال أجاز من غير تأويل، ومن منع ذلك جعل «الكاف» بدلاً من «فُرَادَى» .
الثاني: أنها في مَحَلِّ نصب نَعْتاً لمصدر محذوف، أي: مجيئاً مثل مجيئكم يوم خلقناكم، وقجره مكي: منفردين انفراداً مثل حالكم أول مرة، والأوّل أحسن؛ لأن دلالة الفعل على المَصْدَرِ أقوى من دلالة الوَصْفِ عليه.
الثالث: أن «الكاف» في مَحَلِّ نصب على الحال من الضمير المُسْتكنِّ في «فُرَادى» ، أي: مشبهين ابتداء خلقكم، وكذا قَدَّرهُ أبو البقاء، وفيه نظر؛ لأنهم لم يشبهوا بابتداء خلقهم، وصوابه أن يقدر مُضَافاً أي: مشبهة حالكم حال ابتداء خلقكم.
قوله:«أوَّلَ مَرَّة» مَنْصُوبٌ على ظرف الزمان، والعامل فيه «خلقناكم» ، و «مرة» في الأصل مصدر ل «مَرَّ يَمُرُّ مَرَّةً» ثم اتُّسِعَ فيها، فصارت زماناً.
قال أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ:«وهذا يَدُلُّ على قوة شبه الزمان بالفعل» .
وقال أبو حيان:«وانتصب» أوَّل مرة «على الظرف، أي: أول زمان ولا يتقدَّر أوّل خلق؛ لأن أول خلق يستدعي خَلْقاً ثانياً، إنما ذلك إعادة لا خَلْقٌ» .
يعني: أنه لا يجوز أن يكون المرَّة على بابها من المَصْدَريَّةِ، ويقدر أوّل مرة من الخَلْقِ لما ذكر.