وقيل: المُرَاد: أنكم لمَّا شَاهَدْتُمْ أنَّه - تبارك وتعالى - يُخْرِج الحيَّ من الميَّت، ثم شَاهَدتم أنَّه أخْرَجَ البَدَنَ الحيَّ من النُّطْفِةِ المَيِّتَة، فَكيْفَ تَسْتَبْعِدُون أن يُخْرِجَ البَدَن الحيَّ من التُّرَاب الرَّمِيمِ مَرَّة أخرى، والمقْصُودك الإنْكَار على تَكْذِيبهم بالحَشْرِ والنَّشْرِ، وأيضاً الضَّدَّانِ متساويان في النَّسْبَةِ، فكما لا يمتنع الانقلابُ من أحد الضدين إلى الآخر، وجبَ ألَاّ يمتنع الانقلابُ من الثاني إلى الأوَّل، فكما لا يمتنع حُصُولُ المَوْتِ بعد الحياة، وجب أيضاً حُصُولُ الحياة بعد الموت، وعلى كِلَا التَّقْديريْنِ، فيخرج منه جواز البَعْثِ والنَّشْرِ.
فصل في إثبات خلق الأفعال لله
تَمسُّكُوا بقوله:«فانَّى تُؤفَكُونَ» على أن فَعْلَ العَبْدِ ليس مخلوقاً لله - تعالى - لأنه لو خَلَق الإفْكَ فيه، فكيف يليق به أن يقول مع ذلك:«فأنَّى تُؤفَكُون» والجواب: أن القُدْرَةً بالنسبة إلى الضَّدَّيْنِ مُتساويَةٌ، فَتَرَجُّعُ أحد الطرفين على الآخر لا لمرجِّح، فحينئد لا يكون هذا الرُّجْحَانُ من الضِّدِّ، بل يكون مَحْضَ الاتفاق فكيف يحسن أن يقال له:«فأنَّى تُؤفَكُون» وأن تَوَقُّفَ ذلك المرجح على حصول مرجَّح، وهو الدايعة الجَازِمَةُ إلى الفعل، فحصول تلك الدَّاعية يكون من الله - تعالى - وعند حُصُولها يجب الفعل، ويلزمكم كما ألْزَمْتُمُونا.