قوله:«كَمَا لَمْ يُؤمِنُوا بِهِ» الكافُ في محلِّ نَصبٍ، نَعْتاً لِمَصْدر مَحْذُوف و «ما» مَصْدريَّة والتقدير كما لَمْ يُؤمِنُوا به أوّلأ مرة [وقيل: الكاف هُنَا للتَعْلِيل، أي:«نقلب أفْئِدَتَهم وأبْصَارهم؛ لعدم إيمانِهِم أوّل مرة» .
وقيل: في الكلام حَذْفٌ تقديره: «فلا يؤمنون به ثاني مَرَّة كَمَا لَم يُؤمِنوا به أوّل مرَّة]
وقال بَعْضُ المفسِّرين: الكافُ هُنَا مَعْنَأها: المُجَازَاة، أي:» لمَّا «لم يُؤمِنُوا به أوّل مرَّة، نُجازيهم بأن نُقَلِّب أفْئِدتَهُم عن الهُدَى، ونَطْبَع على قُلُوبهم» ، فكأنَّه قيل: ونحن نَقَلِّب أفْئدتَهَم؛ جَزَاءً لما لم يُؤمِنُوا به أوّل مرَّة، قاله ابن عطية قال أبو حيان وهُو مَعْنَى التَّعْلِيل الذي كرناه، إلا أن تسْمِيتَه ذلك بالمُجازاة غَريبَة لا تُعْهدُ في كلام النَّحْويِّين.
قال شهاب الدِّين: قد سُبِقَ أبن عطيَّة إلى هذه العبارة.
قال الواحدي: وقال بَعْضُهم: معنى الكَافِ في «كَمَا لَمْ يُؤمِنوا» : معنى الجَزَاء، ومَعْنَى الآية: ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُم وأبْصَارهم، عُقُوبة لَهُم على تَركْ الإيمان في المرَّة الأولَى، والهَاء في «به» تعود على الله - تعالى -، أو على رسُوله، أو على القُرآن، أو على القَلْب المَدْلُول عليه بالفِعْل، وهو أبْعَدُهَا، و «أوّل مَرَّة» : نَصب على ظَرْف الزَّمان، وقد تقدم تَحْقِيقُه.
وقرأ الأعْمَش:«تُقَلَّبُ أفْئِدتهم وأبْصَارهم» على البِنَاء للمَفْعُول، ورُفِع ما بعده على قِيَام مقام الفاعل، كذا رَوَاهَا الزَّمَخْشَري عنه، والمشْهُور بهذه القِرَاءة، إنَّما هو النَّخْعِيّ أيضا، ورُوِي عَنْه:«ويَذَرْهُم» بياء الغيبة كما تقدَّم وسُكُون الرَّاء، وخرَّج أبُو البَقَاء هذا التَّسْكِين على وجْهَين:
أحدهما: التَّسْكين لِتَوَالِي الحَرَكَات.
والثاني: أنه مَجْزُوم عَطْفاً على «يُؤمِنُوا» والمَعْنَى: جَزَاءً على كُفْرهم، وأنَّه لم يَذَرْهُم في طُغْيَانهم، بل بيَّن لهم، وهذا الثُّانِي ليس بَظَاهر، و «يَعْمَهُون» في محلِّ حال، أو مَفْعُوزل ثانٍ، لأن التَّرْك بِمَعْنَى: التَّصْيِير.