قال عَطَاء: المَعْنَى: أخْذُلُهُم، وأدْعُم في ضَلالِتِهم يتمادون.
قال الجُبَّائي: المَعْنَى: ونذرهم، أيك لا نَحُول بَيْنَهم وبين اخْتِيَارِهم من ذَلِك لكن نمنعم من ذلك بِمُعَاجَلة الهلاك وغيره، لكنَّا نُمْهِلهم إنْ أقاَموا على طُغْيَانهم، فذلك مِن قِبَلهم وهُو يُوجِب تأكيد الحُجَّة عَلَيْهم.
وقال أهل السُّنَّة: نقلِّب أفْئِدتَهُم من الحقِّ إلى البَاطِل، ونتركهم في ذلك الطُّغْيَان، وفي ذَلِكَ الضَّلال والعَمَه.
ويُقال للجُبَّائي: إنَّك تقول: إن إله العالم ما أرَاد بعباده إلَاّ الخَيْر والرَّحمة، فمل تُرك هذا المِسْكِين حتى عَمِه في طُغْيَانه؟ ولم لا يخلصه عَنْه على سَبِيل الإلْجَاء والقَهْر؟ أقْصَى مَا فِي البابِ؛ أ، هـ إن فَعل به ذلِك لَمْ يكن مُسْتَحِقاً إلى الثَّواب، فيقُوتُه الاسْتِحْقَاق فقط، وقد يَسْلَم من العِقَاب، أمَّا إذا تَرَكَهُ في ذلك العَمَه مع عِلْمه بأنه يَمُوت عَلَيْه، فإنه لا يَحْصُل له اسْتِحْقاق الثَّواب، ويحصل له العِقَاب العَظيم الدَّائم، فالمفْسَدة الحَاصلة عن خَلْق الإيمان فيه على سَبيل الإلْجَاء، مَفْسَدة وَاحِدَة؛ وهِيَ قوات اسْتِحْقَاق الثَّواب مع حُصُول العِقَاب الشَّديد، والرَّحِيم المُحْسِن النَّاظر إلى عباده، لا بُدَّ وأن يُرَجَّح الجَانِب الَّذِي هو أكْثَر إصْلاحاً، وأقَل فَسَاداً، فَعَلِمْنَا أنَّ إبْقَاء ذكل الكَافِر في ذلك العَمَه والطُّغْيَان، يَقْدح في أنَّه لا يريد به إلَاّ الخير والإحسان.