وأمّا قراءة الحسن فمخفَّفَة من المَضْمُوم، وقرأه أبَيُّ بالأصْل وهو المُفْرَدِ.
وأما قراءة طَلْحَة فهو ظَرْف مَقْطُوع عن الإضَافة، مَعْنَاه: أو يَأتِيَ باللَّه والملائِكَة قَبْلَه، ولكن كَانَ يَنْبَغِي أن يُبْنَى؛ لأن الإضافة مُرادَة.
قوله:» مَا كَانُوا «جواب» لَوْ «وقد تقدَّم أنَّه إذا كَانَ مَنْفيّاً، امتَنَعت اللَاّم.
وقال الحُوفِي:» التَّقْدِير لما كَانُوا حُذِفَت اللَاّم وهي مُرَادة «وهذا لَيْس بجيَّد؛ لأن الجواب المَنْفِي ب» مَا «يَقِلُّ دُخُولها، بل لا يَجُوز عند بَعْضِهم، والمَنْفِي ب» لم «مُمْتَنِع ألْبَتَّة.
وهذه اللَاّم لا م الجُحُود جارَّة للمصْدَر المؤوّل من» أنْ «والمنْصُوب بِهَا، وقد تقدَّم تَحْقِيقه - بعون الله تعالى -.
قوله: «إلا أنْ يشاء اللَّه» يجُوز أن يكُون مُتَّصِلاً، أي: ما كانُوا لِيُؤمِنُوا في سَائرِ الأحْوال إلَاّ في حَالِ مَشِيئة اللَّه، أو في سَائرِ الأزْمَان إلا في زَمَان مَشِيئَتِه.
وقيل: إنه اسْتِثْنَاء من عِلَّة عامَّة، أي: «ما كانوا لِيُؤمِنُوا لِشَيء من الأشْيَاء إلَاّ لمشيئة الله تعالى» .
والثاني: أن يكُون مُنْقَطعاً، نقل ذلك الحُوفِيُّ وأبُو البَقَاء، واسْتَبْعَده أبو حيَّان.
فصل في معنى الآية ودحض شبه المعتزلة
معنى الآية الكَريمة: أنه - تعالى لو أظْهَر جميع تِلْك الأشْيَاء العَجِيبَة لِهَؤلاء الكُفَّار؛ فإنَّهم لا يُؤمِنُون إلا أن يَشَاء اللَّه إيمانهم.
قال أهْل السُّنَّة: فلمَّا لَمْ يُؤمنوا دّلَّ على أنَّه - تعالى - ما شَاء مِنْهُم الإيمان، وهذا نَصُّ في المسْألة.
قالت المُعْتَزِلة: دل الدَّليل على أنَّه - تبارك وتعالى - أراد الإيمان من جَميع الكُفَّار، وذكر الجُبَّائِيُّ الوُجُوه المَذْكُورة المَشْهُورة.
أولها: أنَّه - تبارك وتعالى - لو لم يُرِد منهم الإيمان، لما أمَرَهُم، ولم يَجِبْ عليهم.
وثانيها: لو أراد الكُفْر من الكَافِر، لكان الكَافِر مُطِيعاً لله تعالى بِفِعْل الكُفْر، لجاز أن يأمُرَ بِهِ.
وثالثها: لو جاز من الله أن يريد منهم الكُفْرَ، لجاز أن يأمر به.
رابعها: لو جاز أن يريد منهم الكفر لجاز أنه يأمرنا بأن نريد منهم الكفر. قالوا: