فلا نسلم أن «فِسْقاً» في الآية الأخرى مُبَيَّن للقِسق في هذه الآية، فإن هذا لَيْس من بابِ المُجْمَل والمُبَيَّن؛ لأن له شُرُوطاً لَيْسَت مَوجُودَة هُنَا. وهذا الذي قاله مُشْتَمِلٌ من كلام الزَّمَخْشَرِي: فإنه قال:
فإن قُلْت: قد ذَهَبَ جماعة من المُجْتَهِدين إلى جَوازِ أكْل ما لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عليه بِنِسْيَان أوْ عَمْد.
قلت: قد تأوَّله هؤلاء بالمَيْتَة، وبما ذُكِر غَيْر اسْم اللَّه عليه؛ كقوله:«أو قِسْقاً أهلِّ لِغَيْر اللَّه به» فهذا أصْل ما ذكره ابن الخَطِيب وتبجَّ به والضَّمير في «أنَّه» يُحْتَمل أن يعُود على الأكْل المَدْلُول عليه ب «لا تأكُلُوا» ، وأن يعُود على الموصُول، وفيه حنئيذٍ تأويلان:
أن تَجْعَل الموصُول نَفْس الفِسْق مبالغة.
أو على حَذْفِ مُضَافٍ، أي:«وإنَّ أكله لَفِسْق» أو على الذكْر المَفْهُوم من قوله: «ذكر» قال أبوُ حيَّان: «والضَّمِ] ر في» إنَّه «: يعُوج على الأكْل، قاله الزَّمَخْشَري، واقْتَصَر عليه» .
قال شهاب الدِّين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يَقْتَصِرْ عليه بل ذَكَر: أنَّه يحُوز أن يَعُوج على المَوصُول، وذكر التَّأويلين المُتقدِّمين، فقال:«الضَّمير راجع على مَصْدر الفِعْل الدَّاخل عليه حَرْف النَّهْي، بمعنى: وإنَّ الأكل منه لَفِسْق، أو على الموصُول على أنَّ أكْلَه لِفِسْق، أو جعل ما لَمْ يُذكَر اسْمُ اللَّه عليه في نفس قِسْقاً» .
قوله:«وإنّ الشَّياطين ليوحون إلى أوليَائِهم» من المُشْركين لِيُخَاصِموا مُحمَّداً وأصحابه في أكْل المَيْتَ.
وقال عِكْرِمة: المراد بالشَّيَاطِين: مَرَدة المجُوس، ليُوحون إلى أوْلِيَائِهم من مُشْرِكي قُرَيْش، وذلك لأنَّه لما نزل تَحْريم المَيْتَة، سَمِعه المجُوسُ من أهْل فَارِس، فكتَبُوا إلى قُرَيش - وكانت بَيْنَهُم مُكَاتبة - أنَّ محمَّداً وأصاحابه يَزْعُمون أنَّهم يَتْبَعُون أمْ اللَّه - تعالى - ثم يَزعُمُون أن ما يَذْبَحُونه حلالاً، وما يَذْبَحُه اللَّه حرامٌ فوقع في نَفْس ناسٍ من المُسْلِمين من ذلك، فأنْزَل اللَّه هذه الآية الكَرِيمة.