أعْظَم مما فَرَّ مِنْه الجمهورُ، وذلك أنه ليزمه على ما قدَّر أنَّ عِلْمَ الله في نَفْسِه يتفاوت بالنسْبَة إلى الأمْكِنَة، فيكونُ في مكانِ أبْعَدَ مِنْه في مكانٍ، ودعواه مجازُ الظرفيَّةِ لا ينفعهُ؛ فيما ذكرته من الإشْكَال، وكيف يُقَالُ مِثْلُ هذا؟ وقوله:«نَصَّ النحاةُ على عدم تصرُّفها» هذا معارضٌ - أيضاً - بأنهم نصُّا على أنها قد تتصرَّفُ بغير ما ذكر هو مِنْ كونها مجروةً ب «لَدَى» أو «إلى» أو «فِي» فمنه: أنها جاءت اسماً ل «إنَّ» في قوله الشاعر: [الخفيف]
وقد يجابُ عن الإشْكال الذي أوْرَدْتُه عليه، بأنه لم يُرِدْ بقوله «أنْفَذُ عِلْماً» التفضيل، وإنْ كان هو الظاهِرُ بل يُريد مُجَردَ الوصْفِ؛ ويدلُّ على ذلك قوه: أي هُوَ نَافِذُ العلمل في الموضع الذي يَجْعَلُ فيه رِسَالاته، ولكن كان يَنْبَغِي أنْ يصرِّحَ بذلك، فيقول: ولَيٍ المراد التفضيل.
وروي «حَيْثَ يَجْعَلُ» بفتح الثاء، وفيها احتمالان:
أحدهما: أنها فتحةُ بناْءٍ؛ طَرْداً للباب.
والثاني: أنها فتحةُ إعرابٍ؛ لأنها معربةٌ في لغةِ بَنِي فَقْعس، حكاها الكسَائِيُ.
وقرأ ابنُ كثير، وحَفْصٌ عن عَاصم «رسالَتَه» بالإفراد، والباقون:«رِسَالاتِهِ» بالجمع، وقد تقدَّم توجيهُ ذلك في المائدة؛ إلا أن بَعْضَ مَنْ قر هُناك بالجمْع - وهوحَفْصٌ - قرأ هنا بالإفْرادِ، وبعضُ مَنْ قرأ هناك بالإفْرَادِ - وهو أبو عَمْرو، والأخوانِ، وأبُو بَكْرٍ، عَنْ عاصم - قرأ هنا بالجمع، ومعنى الكلام:«اللهُ أعْلَمُ بمَنْ هُوَ أحَقُّ بالرِّسالةِ» .
قوله:{سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ الله} قِيلَ: المرادُ بالصِّغَارِ ذلك وهوان يحصلُ لهم في الآخرة.