يجُوز أن يَكُون الجَعْلُ هنا بمعْنَى التَّصْيير، وأن يَكُون بمَعْنَى الخَلْقِ، وأن يكون يمعنى سَمًّى، وهذا الثًّالثُ ذهب إليه المعتزلة، كالفارسي وغيره من مُعْتَزِلَة النُّحَاةِ؛ لأن الله - تعالى - لا يُصَيِّر ولا يَخْلُق أحَداً كذا، فعلى الأوًّلِ يكون «ضَيِّقاً مَفْعُولاً ثايناً عند مَنْ شدًّدَ يَاءَهُ، وهم العَامَّة غَيْر بان كثير، وكذلك عند مَنْ خَفًّفَها سَاكنَةً، ويكون فِيهِ لُغتانِ: التًّثقيل والتَّخْفيفُ؛ كميِّت ومَيْت، وهيِّن وهَيْنن.
وبالكَسْر قرأ ابن كثير في النحل والنَّمْل، فعلى جعله مصدراً يَجِيءُ فيه الأوْجُه الثلاثة في المصدرِ الواقع وَصْفاً ل» جُثًّة «، نحو:» رجُلٌ عَدْلٌ «ويه حَذْفُ مُضَاف، والمُبَالغَة، أوْ وُقُوعه مَوْقع اسْم الفاعل، أي: يَجْعَلُ صدره ذا ضيق، أو ضَائقاً، أو نَفْس الضِّيق؛ مُبالغةً، والذي يَظْهَرُ من قارءة ابن كثير: أنه عِنْدهُ اسم صِفَةٍ مخَفًّف مِن» فَيْعل «وذلك أنَّه اسْتَغْرَب قراءَتَهُ في مَصْدَر هذا الفِعْلِ، دُون الفَتْح في سُورة النًّحْل والنًّمْل، فَلَوْ كان هذا عِنْدَهُ مَصْدَراً، لكان الظَّاهرُ في قراءته الكَسْرَ كالموضِعَيْنِ المُشَارِ إليْهما، وهذا من مَحَاسِنِ علم النَّحْو والقراءاتِ، والخلافُ الجَارِي هُنَا جارٍ في الفُرقَانِ.
قوال الكسائي:» الضِّيِّق بالتًّشْديد في الأجْرَام، وبالتًّخْفيف في المَعَانِي «.
ووزن ضيِّق:» فَيْعل «كميِّت وسيِّد عند جُمْهُور النَّحْويِّين ثم أدْغِم، ويجوز تَخْفِيفُه كما تقدَّم تَحْريرُه.
قال الفَارِسي:» والياءُ الواوِ في الحَذْفِ وإن لم تَعْتَلَّ بالقَلْبِ كما اعتَلَّتِ الواوُ، اتْبعِتِ اليَاءُ الواو في هذا؛ كما أتبعت في قولهم:«أتِّسَرَ» من اليُسْر، فجُعِلَتْ بمنزلة اتَّعَدَ «.
وقال ابن الأنْبَاريّ: «الذي يُثَقِّل اليَاء يقول: وَزْنُه من الفِعْل» فَعِيل «والأصْل فيه ضَييق على مِثَال كَريم» و «نَبِيل» فجعلُوا اليَاءَ الأولى ألِفاً؛ لتحرَّكِها وانْفِتَاح ما قَبْلَها من حَيْثُ أعَلُّوا ضَاقَ يَضِيقُ، ثم أسْقَطُوا الألِفَ بِسُكُونها وسُكُون ياء «فَعِيل» فأشْفَقُوا مِنْ أنْ