مستَقِلٌّ، ومادَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُتَصَرِّفَة، نحو:«حَرِجَ يَحْرَجُ فهو حَرِجٌ وحَارِجٌ» بخلاف تِيكَ الألفاظ، فإنَّ معناها يُضْطَرُّ فيه إلى الأخْذِ من الأسْمَاء الجَامِدَة، فإن مَعْنَى قولك: استَنْوَقَ الجمل، أي:«صار كالنَّاقِة» ، واسْتَحْجر والنَّاقَةِ، وأنْتَ إذا قُلْتَ: حَرِج صَدْرُه لَيْس بِكَ ضَرورَة أن تَقُولك «ص كالحَرَجَةِ» بل مَعْنَاه: «تَزايد ضِيقُه» ، وأما تَشْبِيهُ عُمَر بن الخطَّاب، فلإبْرَازه المَعَانِي في قوالِبِ الأعْيَانِ؛ مبالغة في البيانِ.
وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم:«حَرِجاً» بكَسْر الراء والباقون: بفتحها وقد عُرِفَا، فأمّا على قراءةِ الفَتْح، فإن كان مَصْدراً، جاءت فيه الأوْجُهُ الثلاثة المقدِّمَة في نَظَائِرِه، وإن جُعِلَ صِفَ’ فلا تأويلَ.
ونَصْبُه على القراءتَيْن: إمَّا على كونِهِ نَعْتاً ل «ضَيِّقاً» ، وإمَّا على كَوْنه مَفْعُولاً به تعدَّد، وذلك أنَّ الأفْعَال النَّواسِخَ إذا دَخَلَت على مُبْتَدأ وخبر، كان الخبرانِ على حَالِهما، فكما يَجُوز تعدُّدُ الخبر مُطْلقاً أو بتَأويل في المبتدأ والخبر الصَّريحَيْن، كذلك في المَنْسُوخَيْن حين تَقُول:«زَيْدٌ كَاتِبٌ شَاعِرٌ فقيهٌ» ثم تقُول: ظنَنْتُ زيداً كِاتِباً شاعراً فِقِيهاً، فتقول:«زَيْداً» مَفْعُول أوَّل، «كاتباً» مَفْعُول ثانٍ، «شَاعِراً» مفعول ثالث، «فِقِيهاً» مَفْعُول رَابع؛ كما تَقُول: خبر ثانٍ وثالث ورابع ولا يَلْزَمُ من هذا أن يتعدًّى الفِعْل لثلاثة ولا أرْبَعَة؛ لأن ذلك بالنِّسْبَة إلى تَعَدُّد الألْفَاظِ، فلِيْس هذا كقول: في: أعْلَمْتُ زيداً عمراً فلاضلاً، إذا المَفْعُول الثُّالِثُ هناك لَيْس متكَرِّراً لشَيْء واحِدٍ؛ وإنما بَيًّنْتُ هذا لأن بَعْضَ النَّاسِ وهم في فَهْمِه، وقد ظَهَر لك ممَّا تقدَّم أن قوله:«ضيِّقاً حَرَجاً» لي في تكْرَار.
وقال مَكِّي:«ومعنى حَرِجٌ - يعني بالكَسْرِ - كمعنى ضيِّق، كرِّر لاخْتِلاف لفْظِه للتأكيد» .
قال شهاب الدِّين: إنما يكون للتَّأكيد حيث لم يَظْهَر بَيْنَها فَارِقٌ فَتَقُول: كُرِّر لاخْتِلاف اللًّفْظِ؛ كقوله:{صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}[البقرة: ١٥٧] وكقوله: [الوافر]