للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثَّواب والعقابِ، بيَّن أنه غَيْر مُحْتاج إلى ثوابِ المطيعين، أو ينْتَقِص بِمَعْصية المذنِبِين؛ لأنه - تعالى - غنِيُّ لذاته عن جَمِيع العَالمين، ومع كوْنه غَنِياً، فإنَّ رحمته عامَّة كَامِلَة.

قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: ذُو الرَّحْمَة بأوْلِيَائه وأهل طاعته.

قوله: «وربُّك الغِنِيُّ» يجوز أن يكون الغَنِيُّ والرَّحْمَة خَبَريْن أو وصفين، و «إن يشأ» وما بَعْدَهُ خبرا لأوَّل، أو يكون «الغَنِيّ» وصْفاً و «ذُو الرَّحْمَة» خبراً، والجُمْلَة الشَّرطيَّة خبر ثاني أو مُسْتَأنَف.

فصل في دحض شهبة للمعتزلة

قالت المعتزلة: هذه الآية الكريمة دالَّة على كَوْنه عادِلاً منزَّهاً عن فِعْلِ القَبِيح، وعلى كَوْنه رَحِيماً مُحْسِناً بعِبَادِه؛ لأنه - تبارك وتعالى - عَالم بقبح القَبَائِح، وعالم بكوْنه غَنِيًّا مَذْكُورٍ في الآيَةِ لغَاية ظُهُوره.

وثانيها: أنه - تعالى - عالمٌ بالمعْلُومات؛ لقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٣٢] .

وثالثها: أنه - تعالى - غَنِيُّ عن الحاجات؛ لقوله: «وربُّكَ الغَنِيُّ» وإذا ثَبَتَتْ هذه المقدِّمَات، ثبت أنه عَلِمٌ بُقُبْح القَبَائح وعَالِمٌ بكون غَنِيًّا عنها، وإذا ثبت هذا، امْتَنَع كوْنه فَاعِلاً لها؛ لأن المُقْدِم على فِعْل القَبيح إمَّا أن يكُون إقْدَامُه لجَهْلِهِ بكونه قِبيحاً، وإما لاحْتِيَاجِهِ، فإذا كان عَالِماً بالكُلِّ، امْتَنَعَ كَوْنه جَاهِلاً بقُبْح القَبَائِح، وذلك يَدُلُّ على أنه - تعالى - منزَه عن فِعْل القَبيح، فحينئذٍ يقْطَع بانه لا يَظْلِم أحَداً فلما كَلًَّف عِبِيدَه الأفْعَال الشَّاقَّة، وجب أن يُثِيبَهُم عليها، ولما رتَّب العِقَاب على فِعْل المَعَاصي، وجب أن يَكُون عَادِلاً فيها، فحينئذٍ انتفى الظُّلْمُ عن اللَّه - تعالى، فما الفائدة في التكليف؟ .

قال ابن الخطيب: والجوابُ أن التكْلِيفَ إحْسَانٌ ورَحْمَة على ما قُرِّر في كُتُب الكلام. قوله: «إنْ يَشَأ يُذْهِبْكُم» فقيل: المراد يُهْلِككُمْ يا أهْل مكَّة، وقيل: يُمِيتتُكثم، وقيل: يحتَمَلُ ألَاّ يُبْلِغَهُم مَبْلَغ التَّكْلِيف، ويَسْتَخْلِف من بعد إذْهَابِكُم؛ لأن الاسْتِخْلاف لا يَكُون إلى على طَرِيق الَبدَلِ.

قوله: «مَا يَشَاءُ» يجُوز أن تكُون «مَا» واقِعَة على ما هُو من جِنْسِ الآدَميِّين، وإنَّما أتى ب «مَا» وهي لِغَيْر العَاقِل للإبْهَام الحَاصِل، ويجُوزُ أن تكُون وَاقِعَة على غَيْر العَاقِل وأنَّه يأتي بجِنْسٍ آخر، ويجُوز أن تكُون وَاقِعَة على النَّوْع من العُقَلاء كَمَا تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>