للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: «كَمَا أنْشَأكُمْ» في هو جهان:

أحدهما: أنه مَصْدَر على غِيْرِ المَصْدَر؛ لقوله: «ويَسْتَخْلِفْ» لأن مَعْنَى «يَسْتَخْلِفْ» : يُنْشىِءُ.

والثاني: أنها نَعْتُ مَصْدَر مَحْذُوف، تقديره: استِخْلافاً مثل ما أنْشَأكُم.

وقوله: «مِنْ ذُرِّيَّةِ» متعلق ب «أنْشَأكُم» وفي «مَنْ» هذه وْجُه: أحدها: انها لابتداء الغايةِ، أي: ابْتَدأ إنْشَاءَكُم من ذُرِّيَّة قَوْم.

الثانيك أنَّها تَبْعِيضيَّة، قاله ابن عطيَّة.

الثالث: بمعنى البدل، قال الطبري وتبعه مكي بن أبي طالب: هي كقولك: «أخَذْتُ من ثَوْبِي دِرْهَماً» أي: بَدَله وعوضه، وكون «مِنْ» بمعنى البدل قَلِيلٌ أو مُمْتَنِعٌ، وما ورد منع مُؤوَّل؛ كقوله - تعالى -: {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً} [الزخرف: ٦٠] أي: بَدَلَكُم.

وقوله: [الزجر]

٢٣١٦ - جَارِيَةٌ لَمْ تَأكُلِ المُرَقَّقَا ... ولَمْ تَذُقْ مِنَ البُقُولِ الفُسْتُقَا

أي: بدل البُقُول، والمعنى: من أوْلاد قوم مُتقدِّمين أصْلهم آدَمُ.

وقال الزَّمَخْشَرِي: من أولاد قَوءم آخرينِ لم يكُونُوا على مِثْلِ صِفَتِكُم، وهم أهْلُ سَفِينةَ نُوح. وقرأ ابيُّ بنُ كَعْب: «ذَرِّيَّة» بفتح الذَّالِ، وأبان بني عُثْمَان: «ذَرِيَّة» بتخفيف الرَّاء مَكْسُور، ويروى عَنْه أيْضاً: «ذَرْيَة» . بزنة ضَرْبَة، وقد تقدَّم تحقيقه، وقرأ زَيْد بن ثَابِت: «ذَِرِّيَّة» بكسر الذال، قال الكسائي هُمَا لُغَتَان.

قوله: «إنَّ تُوعدون لآتٍ» «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي وليست الكَافَّة، و «تُوعَدُون» صلتها، والعَائِد مَحْذُوف، أي: إنَّ ما تُوعدُونَهُ و «لآتٍ» خبر مؤكَّد باللَاّمٍ.

قال الحسن: «ما تُوعَدُون» من مَجِيء السَّاعة؛ لأنهم كَانُوا يُنْكِرُون الحَشْر.

وقيل: يحتمل الوَعْد والوَعِيدن ولما ذكر الوَعْد، جزم بكَوْنه آتِياً، ولما ذكر الوَعِيد، ما ذاد على قوله: «وما أنْتُم بِمُعْجِزينَ» وذلك يَدُلُّ على أن جَانبَ الرَّحْمَة والإحْسَان غالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>