بالإراداء وبالتخليط وإدْخَال الشُّبْهَة عليهم في دينهم.
والجمهور على «وليَلْبِسُوا» بكسر الباء مِنْ لَبَسْتُ عليه الأمْر ألبِسُه، بفتح العَيْن في المَاضِي وكَسْرِها في المُضَارع؛ إذا أدْخَلْتَ عليه فيه الشُّبْهَة وخَلَطْتَهُ فيه.
وقد تقدَّم بَيَانُه في قوله:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ}[الأنعام: ٩] . وقرأ النخعي:«وليلبسوا» بفتح الباء فقيل: هي لغة في المعنى المذْكُور، تقول:«لَبِسْتُ عليه الأمْر بفتح الباء وكسرها ألْبَسه وألبَسَهُ» والصَّحِيح أن لَبِس بالكَسْر بمعنى لَبِس الثياب، وبالفَتْح بمعْنى الخَلْط، فالصَّحيح أنه اسْتَعار اللِّبَاس لشِدَّة المخالطة الحَاصِلَة بَيْنَهم وبين التَخْليط؛ حتى كأنَّهم لَبْسُوا كالثياب، وصارت مُحِيطة بهم.
قوله:{وَلَوْ شَآءَ الله مَا فَعَلُوهُ} والضَّمير المرفُوع لكَثِير والمنصُوب للقَتْل للتصريح به، ولأنَّه المسُوق للحديث عنه.
وقيل: المَرْفُوع للشُّركاء والمنْصُوب للتَّزِيين.
وقيل: المَنْصُوب لِلَّبْسِ المَفْهُوم من الفِعْل قَبْله وهو بَعِيد.
وقال الزَّمَخْشَري:«لما فَعَل المُشْرِكُون ما زُيِّن لَهُم من القَتْلِ، أو لما فَعَل الشَّياطين أو السَّدَنَة التَّزْيين أو الإرْدَاء أو اللِّبْس، أو جَمِيع ذلِك إن جَعلْتَ الضمير جَارياً مَجْرَى اسم الإشارة» .
قوله:«فَذَرْهُم وما يَفْتَرُون» تقدَّم نظيره.
فصل في المراد من الآية
المعنى: ولو شاء اللَّه لَعصَمْهم حتى ما فَعَلُوا ذلِك من تَحْريم الحَرْث والأنْعَام، وقتل الأولاد فذرهم يا مُحَمَّد وما يَفْتَرُون يختلِقُون في الكَذِب، فإن اللَّه لهم بالمِرصَاد.
قال أهل السُّنَّة: وهذا يَدُلُّ على أن كُلَّ ما فَعلَهُ المشرِكُون - فهو بِمَشِيئَة الله - تبارك وتعالى -.
وقال المعتزلة: إنه مَحْمُول على مَشِيئَة الإلْجَاء كما سَبَق.