للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أنَّه أُخذ مِنْ زَانَ الثُّلاثِي، وبين للمَفْعُول، فاعِلَّ بما قد عَرَفْتَهُ في أول البَقَرة.

واللام من قوله» لِكثير من المشْركينَ «متعلِّقة ب» زَيَّن «، وكذلك اللَاّمُ في قوله:» ليُرْدُهُم «.

فإن قيل: كيف تُعَلَّق حرفَيْ جر بلفْظٍ واحِد وبمعنى واحد بعامل واحد، من غَيْر بَدَلِيَّة ولا عَطْف؟ .

فالجواب: أن مَعْنَاها مختلِفٌ؛ فإن الأولى للتَعْدِيَة والثَّانية للعِلِّيَّة.

قال الزمخشري:» إن كان التَّزيين من الشَّياطين، فهي على حقيقةِ التَّعْليل، وإن كان من السَّدنَةِ، فهي للصَّيْرُورة «يعني: ان الشَّيْطَان يَفْعَل التَّزْيين وغرضُه بذلك الإرْدَاءُ، فالتعْلِيل فيه واضِحٌ، وأمَا السَّدَنةُ فإنهم لم يُزَيِّنوا لهم ذَلِك، وغرضهم إهْلاكُهم، ولكن لما مآل حَالِهِم إلى الإرْدَاءِ، أتى باللَاّم الدَّالَّة على العَاقِبة والمآل.

فصل في بيان ما كان عليه أهل الجاهلية

كان أهْل الجَاهِليَّة يدْفِنُون بَنَاتَهم أحْياء خَوْفاً من الفَقْر والتَّزْويج، واخْتلفُوا في المراد بالشُّركَاءِ.

فقال مجاهد: شُرَكَاؤُهم شَيَاطينُهم أمَرُوهم بأن يَقْتُلوا أولادَهم خَشْيَة الغِيلَة، وسمِّيت الشَّياطين شُرَكَاء؛ لأنهم اتخذوها شُرَكَاء لقوله - تبارك وتعالى -:

{أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ مِن دُونِ اللهِ} [الأنعام: ٢٢] .

وقال الكَلْبِيّ: الشركاء سَدَنة آلِهَتِهم وخُدَّامهم، وهُمُ الَّذِين كَانُوا يُزَيِّنُون للكُفَّار قَتْل أولادهم، وكان الرَّجُل يَقُوم في الجَاهلِيَّة فيحلف باللَّه إن ولد له كَذَا غُلاماً لَيَنْحَرَنَّ أحدهم، كما حلف عَبْد المُطَلِّب على ابْنه عبد الله، وسُمِّيت السَّدَنَة شُرَكَاء كما سُمِّيت الشَّياطِين شُرَكَاء في قَوْل مُجَاهِد، وقوله «لِيُرْدُوهُم» الإرْدَاء في لُغة القُرْآن الإهلاك {إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} [الصافات: ٥٦] .

قال ابن عبَّاس: «لِيُرْدُوهم في النَّار» واللَاّم هَهُنَا لام العَاقِبة؛ كقوله: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: ٨] .

«ولِيلبِسُوا عَلَيْهِم دِينَهُم» أي: يَخْلِطُوا عليه دِينَهُم.

قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - ليُدْخِلُوا عليهم الشَّك في دينهم، وكانوا على دِين إسْمَاعيل فَرَجَعُوا عنه بلبس الشَّياطين.

قوله: «وليَلْبِسُوا» عطف على «ليُرْدُوا» علل التَّزْيين بشَيْئَيْن:

<<  <  ج: ص:  >  >>