الظَّاهر، فأباح هذا الأكْل وأخرج وُجُوب الحقِّ فيه من أنْ يكون مَانِعاً من هذا التَّصَرُّف.
وقال بعضهم: بل أبَاحَ - تعالى - ذلك ليُبَيِّن أنَّ المقْصِد بِخَلْق هذه النًّعَم الأكْل، وأما تَقْديم ذكر الأكْل على التصدُّق؛ لأن رِعَاية النَّفْسِ متقدِّمة على الغَيْر؛ قال:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا}[القصص: ٧٧] .
فصل في بيان الأصل في المنافع
تمسَّك بَعْضُهم بقوله:«كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَر» بأن الأصْل في المَنَافِع: الإباحة؛ لأن قوله - تعالى -: «كُلُوا» خطاب عَامٌّ يتناول الكُلًّ، فصار كقوله:{خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض}[البقرة: ٢٩] ويكن التمَسُّك به على أنَّ الأصْل: عدم وُجوب الصِّدَقة؛ لأن من ادَّعى إيجابَهُ، كان هو المُحْتَاج إلى الدَّلِيل، فيُتَمسَّك به في أنَّ المَجْنُون إذا أفَاق في أثْنَاء الشَّهْر، لا يَلْزَمُه قَضَاء ما قَضَى، وفي أنَّ الشَّارع في صوم النَّفْل يجبُ عليه الإتمام.
فصل
قال القُرْطُبيُّ: قوله - تعالى - {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَر} هذان بناءان جاءا بصيغة أفعل. أحدهما: للإباحة؛ كقوله:{فانتشروا فِي الأرض}[الجمعة١٠] والثاني: لوجوب، ولي يَمْتَنِع في الشَّريعة اقتران الإبَاحَة والواجب وبدأ بذكر نِعْمَة الأكْل قبل الأمر بإيتاء الحق؛ ليبيِّن أن الابتداء بالنِّعْمَة كان من فَضْلِه قبل التكليف.
وقال ابن الخَطِيب: وعلى أنَّ صِيغَة الأمْر ترد لِغَيْر الوُجُوب والنًّدْب، وعند هذا، قال بَعْضُهم: الأصْل في الاستِعْمَال: الحَقِيقَة؛ فوجَبَ جعل هذه الصِّيغَة مفيدةً لرفع الحَرَج؛ فلهذا قالوا: الأمْر يقتضي الإبَاحَة إلا أن نَقُول: يُعْلَم بالضَّرُورة من لُغَة العَرَب، أن هذه الصِّيغَة تُفِيد تَرْجِيح جَانِب الفِعْل، فحملُهَا على الإبَاحة لا يُصَار إليه إلَاّ بِدَليلٍ بِفَتْح الحاء:«حَصاده» والباقون بكسرها، وهما لُغَتَان في المَصْدَر؛ كقولهم؛ جَداد وجِدَاد، وقَطَاف وقِطَاف، وحَرَان وحَرَان والصِّرَام والصَّرَام.
قال سيبويه: جاءوا بالمَصْدَر حين أرَادُوا انْتِهاء الزَّمَان على مثال: «فِعَال» وربما