قَالُوا فيه:«فَعَال» يعني: أنَّ مَصْدر خَاصٌّ دالٌّ على مَعْنى زَائِد على مُطْلَق المَصْدَر؛ فإن المَصْدَر الأصْلِيُّ إنما هو الحَصْد، فالحَصْد ليس فيه دلالة على انْتِهَاء زَمَان ولا عدمها؛ بخلاف الحَصَاد والحِصَاد.
ونسب الفرَّاء الكَسْر لأهل الحِجَاز، والفتح ل «تميم» و «نَجْد» ، واخْتَار أبو عُبَيْد الفَتْحَ؛ قال: للفخامةٍ، وإن كان الأخرى «فَاشِيَةً غير مَدفُوعة» ، ومكي الكَسْر؛ قال:«لأنَّه الأصْل، وعليه أكثر الجماعة» .
وقوله:«يَوْم حصاده فيه وجهان:
أحدهما: أنه مَنْصُوب ب» آتُوا أي: أعْطُوا واجِبة يوم الحَصَادِ، واستَشْكَل بعض النَّاسِ ذلك بأنَّ الإيتاء إنما يكون بعد التَّصْفِيَة، فيكيف يُوجِب الأيتَاء في يَوْم الحَصْد؟
وأجِيبُ: بأنّ ثَمَّ مَحْذُوفاً، والتّقْدير: إلى تَصْفِيتهِ، قالوا: فيكون الحَصاد سَبباً للوُجُوب المُوسَّع، التَّصْفِيَة سَبَبٌ للإدَاءِ، وأحسن من هَذَا أن يَكُونَ المَعْنَى: واهتموُّوا بإيتاءِ الواجِبَة فيه واقْصُدُوه في ذلك اليَوْم.
الثاني: أنه مَنْصُوب بلفظ «حَقَّهُ» على معنى: وأعطوا ما اسْتِحقَّ منه يوم حَصَادِه، فيكون الاستِحْقَاق ثابتاً يوم الحَصَاد والأدَاء بعد التَّصْفِيَة؛ ويؤيد ذلك تَقْدير المَحْذُوف عند بَعْضِهِم كما قَدَّمْتُه، وقال في نَظِير هذه الآية:{انظروا إلى ثَمَرِهِ}[بالأنعام: ٩٩] ، وفي هذه:«كُلُوا» قيل: لأن الأولى سيقت للدَّلالة على كَمَال قُدْرَته، وعلى إعْادة الأجْسام من عجب الذنب، فأمر بالنظر والتَّفَكُّر في البدَاية والنِّهاية، وهذه سيقت في مَعْرِض كما ل الامْتِنَان فناسب الأمْر بالأكْلِ، وتحصَّل من مجموع الآيتيْنِ: الانتِفَاعُ الأخْرَوِيّ والدُّنْيَوي، وهذا هو السَّبَب لتقدُّم النَّظَر على الأمْر بالأكْل كما قدمنا.
فصل في معنى الحق هنا
اخْتَلَفُوا في هذا الحق:
فقال ابن عبَّاس في رِوَاية عَطَاء وطاوس والحَسَن وجابر بن زيد وسعيد نب المُسَيَّب: أنَّها الزَّكَاة المفروضَةُ من العُشْر فيما سقَتِ السَّمَاءُ، ونصف العُشْر فيما سُقِي بالكُلْفة.
وقال علي بن الحُسَيْن وعطاء ومُجَاهد وحمَّاد والحكم هو حَقُّ في المال سوى الزَّكَاة أمر بإيتائه، لأن الآية مَكيَّة وفرضت الزَّكاة بالمَدِينَة.