للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يدخل أنواع الكِلاب والسِّباع والسَّنَانِير، ويدخل فيه الطُّيُور اليت تُصْطَاد؛ لأن هذه الصِّفَة تَعْمُّهُم.

وإذا ثبت هذا؛ فنقول: قوله تعالى -: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} تخصيصُ هذه الحُرْمَةِ بهم من وجهين:

الأول: أن قوله: «وعلى الَّذِي هَادُوا حَرَّمْنَا» كذا وكذا يفيد الحَصْر في اللُّغَة.

والثاني: أنه لَوْ كانت هذه الحُرْمَة ثابتَة في حَقِّ الكُلِّ، لم يَبْق لِقَوْله: «وعَلَى الَّذِين هَادُوا حَرَّمْنَا» فائدة؛ فثبت أنَّ تَحْريم السِّبَاع، وذَوِي المخلَب من الطَّير مختفص باليَّهُود، فوجب ألا تكُون مُحَرَّمة على المُسْلِمِين، وعند هذا نَقُول: مَا رُوي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - حرَّم كل ذِي ناب من السِّباع، وكل ذي مِخْلَب من الطَّيْر ضعيفٌ؛ لأنه خبر واحدٌ على خلاف كتابِ اللَّه، فلا يكون مَقْبُولاً، وهذا يُقَوِّي قوله مالِك في هذه المَسْألة.

قوله: «وَمَنَ البَقَرِ» فيه وجهان:

أحدهما: أنه مَعْطُوف على «كُلِّ ذي» فتتعلَّق «مِنْ» ب «حَرَّمْنَا» الأولى لا الثانية، وإنَّما جيء بالجُمْلَة الثانية مُفسِّرة لما أبْهم في «مِنْ» التَّبْعيضيَّة من المُحَرَّم؛ فقال: «حَرَّمْنَا عَلَيْهم شُحُومَهُمَا» .

والثاني: أن يتعلَّق ب «حَرَّمْنَا» المُتَأخِّرة، والتقدير: وحرَّمْنا على الذين هَادُزا من البَقَر والغَنَم وشُحُومَهُمَا، فلا يَجِب هنا تَقْديم المجرُور بها على الفِعْل؛ فيقال: حَرَّمْنا عليهم شُحُوَمُهما من البَقَر والغَنَمِ؛ لئلا يَعُود الضَّمِير على متأخِّر لفظاً ورُتْبَة.

وقال أبو البقاء: «ولا يجوز أن يكُون» مِنْ البَقَرِ «متعلِّقاً ب» حَرَّمْنَا الثانية «.

قال أبو حيَّان:» وكأنه قد توهَّم أن عَوْد الضَّمير مانِعٌ من التعَلُّق؛ إذ رُتْبَة المجرُور ب «مِن» التَّأخِير، لكن عن ماذا؛ أما عن الفعل فَمْسَلَّم، وأما عن المَفْعُول فغير مُسَلَّم «يعني: أنه إن أراد أنَّ رُتْبَة قوله:» مِنَ البَقَر «التأخير عن شُحُومَهُمَان فيصير التقدير: حرمنا عليهم شُحُومَهُما من البقر؛ فغيرمُسَلَّم، ثم قال أبو حيَّان:» وإن سَلَّمْنا أن رُتْبَته التَّأخير عن الفِعْل والمفعُول، فليس بِمَمْنُوع، بل يَجُوز ذلك كما جَازَ: «ضربَ غُلامَ المْرأة أبُوهَا» و «غُلامَ المرأة ضَرَبَ أبوها» ، وإن كانت رُتْبَة المفْعُول التَّأخير، لكنه وَجَبَ هنا تَقْدِيمُه؛ لعود الضَّمِير الذي في الفاعل الذي رُتْبَتُه التَّقْديم عليه، فكيف بالمَفْعُول الذي هُو والمَجْرُور في رُتْبَةٍ واحِدَةٍ؟ أعني في كَوْنَها فَضْلَه، فلا يبالي فيهما بتَقْدِيم أيَّها شِئْت على الآخَر؛ قال الشاعر: [الطويل]

٢٣٧٤ - ... ... ... ... ... . ...

<<  <  ج: ص:  >  >>