فقدَّم الظَّرْف وجوباً؛ لعود الضَّمير الذي اتَّصل بالفَاعِل على المجْرُور بالظَّرْف «.
قال شهاب الدِّين:» لقائل أن يقُول: لا نُسَلِّم أن أبَا البقاء إنما مَنَع لما ذكرت، حتى يُلْزَم بما ألْزَمْتَه، بل قَدْ يَكُون منعه لأمر مَعْنَوِيِّ «.
والإضافة في قوله: «شُحُومَهُما» تُفِيد الدَّلالة على تأكييد التَّخْصيص والرَّبْط، إذ لو أتى في الكلام:«مِن البَقَر والغنم حرَّمْنَا عليْهم الشُّحُوم» لكان في الدَّلالة على أنَّه لا يراد إلَاّ شُحُومُ البَقَر والغَنَم؛ هذا كلام أبي حيَّان وهو بَسْط ما قاله الزَّمَخْشَري؛ فإنه قال:«ومن البَقَر والغَنَم حَرَّمْنا عليهم شُحُومَهُما» ؛ كقولك:«مِنْ زَيْد أخَذْت مَالَهُ» تريد بالإضافة زيَادة الرَّبْط.
قوله:«إلَاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورهُمَا»«ما» مَوْصُولة في محل نَصْب على الاستِثْنَاء المُتَّصِل من الشُّحُوم، أيك إن لم يُحَرِّم الشَّحْم المَحْمُول على الظَّهْر، ثم إن شِئت جعَلْت هذا المَوْصُول نعتاً لِمَحْذُوف، أي: إلا الشَّحْم الذي حَمَلَتْهُ ظهورُهُمَا؛ كذا قدَّره أبو حيان، وفيه نظر، لأنه قد نصَّ على أنَّه بذلك غَيْرِه بذلك في مِثْل هذا التقدير: وإن شِئْت جعلْتَهُ موصُوفاٍ بشَيْءٍ محذوف، أي: إلَاّ الذي حملَتْه ظُهُورُهُما من الشَّحْم، وهذا الجَارُّ هو وَصْفٌ معنوي لا صناعي، فإنَّه لو أظْهَر كذا، لكان إعرابُه حالاً.
وقوله:«ظُهُورهما» يحتمل أن يكُون من باب قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم: ٤] ، بالنسبة إلى ضَمِير [البَقَر] والغَنَم من غير نَظِر إلى جَمْعِيَّتهما في المَعْنَى، ويحتمل أن يَكُون جَمَع «الظُّهُور» لأنَّ المُضَافَ إليه جَمْعٌ في المَعْنَى؛ فهو مثل:«قَطَعْتُ رُؤُوس الخرفان» فالتِّثْنِيةَ في مثل هذا مُمْتِنِعَة.
فصل في تفسير الشحم
قال ابن عبَّاس:«إلا ما عَلِق بالظَّهْر من الشحم، فإنِّي لم أحرمهُ» وقال قتادة: «إلا ما عَلَق بالظَّهْرِ والجَنْبِ من دَاخِل بُطُونِها» .