قال القرطبي: «وليس بُلُوغ الأشُدِّ مما يُبِيحُ به قُرْب ماله بغير الأحْسَن؛ لأن الحُرْمَة في حقِّ البَالِغ ثابِتَةٌ، وخصَّ اليتيم بالذِّكر؛ أن خَصِيمَهُ الله - تعالى - والمعنى لا تَقْرَبُوا مال اليَتيم إلا بالَّتِي هي أحْسَن على الأبَدِ حَتِّى يَبْلُغ أشُدَه، وفي الكلام حَذْف تقديره: فإذا بَلَغَ أشُدَّه وأنِس منه الرُّشْد، فادْفَعُوا إليه مَاله» .
والأشُدُّ: اختلف النَّحْويُّون فيه على خمسة أوجه:
فقال الفرَّاء: «هو جمع لا وَاحِد له، والأشُدُّ واحدُها» شَدٌّ «في القياس، ولم أسْمَع لها بِوَاحدٍ» .
وقيل: هو مُفْرَدٌ لا جمع، نقل ابن الأنْبَاري ذلك عن بعض أهْل اللَّغَة، وأنه بِمَنْزلة «الآنُك» ونقل أبو حيَّان عنه: أن هذا الوَجْه مُخْتَاره في آخرين، ثم قال: «ولَيْ بمختارٍ؛ لفقدان أفْعُل في المُفْرَادَات وضعاً» .
وقيل: هو جَمْع «شدَّة» و «فِعْلَة» يُجْمَع على أفْعُل «؛ كنِعْمَة وأنْعُم، قال أبو الهَيْثَم، وقال: و» كأن الهَاءَ في الشِّدَة والنِّعْمَة لم تكن في الحَرْف، إذا ان زَائِدَة، وكان الأصلُ نِعْم وشِدّ فَجُمِعَا على «أفْعُل» ؛ كما قالوا: رِجْل وأرْجُل، وقِدْح وأقْدُح، وضِرْس وأضْرُس «.
وقيل: هو جمع شُدّ [بضم الشِّين نقله ابن الأنْبَاري عن بعض البَصْرِيِّين؛ قال: كقولك: هو وُدُّ، وهم أوُدُّ] .
وقيل: هو جمع شَدّ بفتحها، وهو مُحْتَمل.
والمراد هُنَا ببلوغ الأشد: بُلُوغ الحُلُم في قَوْل الأكْثَرِ؛ لأنه مَظِنَّة ذلك.
وقيل: هو مَبْلَغ الرِّجَال من الحِيلة والمَعْرِفة. وقيل: هو مَبْلَغ خمسة عشر إلى ثلاثين.
وقيل: أن ثلاثة وثلاثين.
وقيل: أرْبَعِين.
وقيل: سِتِّين، وهذه لا تَلِيق بهذه الآيةِ، إنما تليق بقوله - تعالى -: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: ١٥] وتقدم منه طرف في النساء.
والأشُدُّ مشتق من الشِّدَّة؛ وهي القُوَّة والجلادة، وأنشد الفرَّاء - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: [البسيط]
٢٣٨٢ - قَدْ سَادَ وهو فَتَى حَتَّى إذَا بَلَغَتْ ... أشُدُّهُ وعَلَا فِي الأمْرِ واجْتَمَعَا