قوله:» وأوفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ «» الكيل والميزان «هما الآلة التي يُكال بها ويُوزَن، وأصْل الكَيْل: المصْدَر ثم أطْلِق على الآلة، و» الميزان «: مْفَاعل من الوزن لهذه الآلةِ؛ كالمِصْبَاح والمقياس لِمَا يُسْتَصْبَحُ به، وما يُقاسُ به، وأصل ميزان: مِوْازن فَفُعِلَ به ما فُعِلَ بِميقاتٍ، وقد تقدم في البقرة.
و «بِالقِسْطِ» حال من فَاعِل «أوْفُوا» أي: أوْفُوهُمَا مقسطين، أي: مُتَلَبِّسِين بالقِسْط، ويجُوز أن يكون حالاً من المفعُول، أي: أوْفُوا الكَيْل والميزان مُتَلَبِّسِين بالقِسْطِ، أي: تَامِّين، والقِسْط العدل.
وقال أبو البقاء:«والكيْل هنا مَصْدر في مَعْنَى المَكِيل، وكذلك الميزان، ويجُوز أن يكون فيه حَذْفُ مُضَافٍ، تقديره: مَكِيل الكَيْلِ ومَوْزُونُ المِيزانِ» ، ولا حاجة إلى ما ادِّعَاء من وُقُوع المصدر موقع اسْمِ المفعُول، ولا من تقدير المضاف؛ لأن المعنى صحيح بدُونهما، وأيضاً ف «ميزن» ليس مصدراً، إلا أنه يُعَضِّد قوله ما قاله الوَاحِديُّ، فإن قال:«والميزن، أي: وزن الميزان؛ لأن المُرَاد إتْمَام الوَزْن، لا إتمام الميزان؛ كما أنَّه قال:» وأوْفوا الكَيْل «ولم يقل المِكْيَال، فهو من بابِ حَذْف المُضَافِ» انتهى.
والظَّاهر عدم الاحْتِيَاج إلى ذلك، وكأنَّه لم يَعْرِف أن الكَيْل يُطْلَق على نَفْس المِكْيَال، حتى يقول:«ولم يقل المكيال» .
قوله:{لَا نُكَلِّفُ نَفْسا} مُعْتَرض بين هذه الأوَامِر، واعلم أنَّ كُلَّ شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتَمَّم، يقال: درْهَم وافٍ وكيل وافٍ، وأوْفَيْتُه، إذا أتممته، وأوْفَى الكيل، إذا أتَمَّهُ ولم يَنْقُص منه شَيْئاً، وكذلك وَفَى المِيزَان.
وقوله:«بالقسط» أي: بالعَدْل لا بخْس ولا نُقْصَان فيه.
فإن قيل:«أوفُوا الكَيْل والمِيزَان» هو عين القِسْط، فما فَائِدة التكرير؟
فالجواب: أن اللَّه - تبارك وتعالى - أم المُعْطِي بإيفاءِ ذي الحقّ حقَّه من غير نُقْصَانٍ، وأمر صَاحِبَه أن يَأخُذ حقَّهُ من غير طلب زِيَادة، ولما كان يَجُوز أن يَتَوَهَّم الإنْسَان أنه يَجِب على التَّحقِيق، وذلك صَعْقبٌ شديدٌ في العَدْل، أتْبَعَهُ الله - تعالى - بما يُزِيُل هذا التَّشْدِيد، فقال:«لا نُكَلِّف نَفْساً إلَاّ وُسْعَها» ، أي: الوَاجب [في إيفَاءِ] الكيْل