والوَزْنِ هو القَدْر المُمْكِن، إمَّا فغير وَاجِبٍ.
قال القرطبي - رحمها لله تعالى -: في مُوَطأ مالكٍ عن يَحْيَى بن سَعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -؛ أنه بلغه عن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -؛ أنه قال:«ما ظَهَر الغُلُول في قَوْم قطّ إلا ألْقَى اللَّه في قُلُوبِهم الرُّعْب؛ ولا فَشَا الزِّنَا في قَوْم إلَاّ كَثُر فيهم المَوْت، ولا نَقَصَ قَوْم المِكْيَال والميزان إلا قطعَ عنْهُم الرِّزق، ولا حَكَمَ قَوْم بغير الحقِّ إلا فَشَا فيهم الدَّم، ولا قولم بالعهد إلا سُلِّطَ عليهم العَدُوُّ» .
وقال ابن عبَّاس: إنكم مَعْشر الأعاجم قد وليتم أمْرَيْن بهما هلك من كان قبلكم، الكَيْل والميزان
فصل
قال القاضي:«إذا كان الله - تعالى - قد خف على المُكَلَّف هذا التخفيف، مع أنه ما هُو التَّضْيِيقُ مَقْدُورٌ له، فكيف يَتَوهَّمُ متوَهَّمٌ أنه - تبارك وتعالى - يكلف الكَافِر الإيمان مع أنَّهُ لا قُدْرَة له عليه؟ بل قالوا: إن الله - تعالى - يَخْلُقُ الكُفْر فيه، ويُريد منه ويَحْكُم به عليه، ويخلق فيه القُدْرَة الموجِبَة لذلك الكُفْر والدَّاعِية الموجِبَة له، ثم يَنْهَاه عنه، فهو - تعالى - لمًّا لم يُجَوِّز ذلك القَدْر من التَّشْديد والتَّضْييق على العَبْد، وهو إيفاء الكَيْل والوَزْن على سبيل التَّخْفِيف، فكيف يَجُوز أن يُضَيِّق على العَبْد مثل هذا التَّضْييق والتَّشْدِيد؟
وجوابه: المُعَارضة بمَسْألة العِلْم والدَاعي.
قوله:{وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا}
حمله المُفَسِّرون على أدَاءِ الشَّهَادة والأمْر والنَّهي.
قال القاضي «وليس الأمْر كذلك، بل يَدْخُل فيه كُلُّ ما يتصل بالقَوْل من الدَّعْوة إلى الدِّين، وتَقْرير الدَّلائل عليه، ويَدْخُل فيه أن يكُون الأمْر بالمَعْرُوف والنَّهِي عن المنكر وَاقِعاً على الوَجْه بالعَدْل من غير زِيَادة في الإيذَاء والإيحَاشِ، ونُقْصَان عن القدر الواجب، ويدخل فيه الحِكَايات التي يَذْكُرها الرَّجُل حتى لا يَزيد فيها ولا يَنْقُص عنها، ومن جملتها تَبْلِيغ الرِّسالات النَّاسَ وحكم الحَاكِم، ثم إنه - تبارك وتعالى - بيَّن أنه يَجِبُ أن يُسَوَّى فيه بين القَريب والبَعيد، فقال:» ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى «؛ لأن المَقْصُود منه طلب رضوان الله - تعالى -، وذلك لا يَخْتَلف بالقُرْب والبُعْد، ولو ان المقُولُ له والمَقول عليه ذَا قُرْبَة.
قوله:» وبِعَهْد اللَّهِ «يجُوزُ أن يكُون من بابِ إضافَةِ المصدر لفاعله، أي: بما