للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حالاً، وإليه يميل تَفْسِيرُ الزَّمَخْشَرِيِّ، فإنَّهُ قال: «أي لا تتولَّوْا من دونه شياطين الإنس والجن؛ فيحملوكم على الأهواء والبدع» . والضَّمِيرُ في «دونه» يعود على «ربِّكُمْ» ولذلك قال الزَّمَخشريُّ «مِنْ دُونِ اللَّهِ» ، ويجُوزُ أن يعود على «مَا» الموصُولةِ، وأن يعود على الكتابِ المُنَزَّل، والمعنى: لا تَعْدِلُوا عنه إلى الكُتُبِ المَنْسُوخَةِ.

وقرأ الجَحْدَرِيُّ: «ابَْغُوا» بالغين المعجمة من الابتغاء. ومالك بن دينار ومجاهد: «ولا تَبْتَغُوا» من الابتغاء أيضاً من قوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً} آل عمران: ٨٥] .

قوله: {قَلِيلاً مَّا تَذَكَرُونَ} قد تقدَّم نظيرُهُ في قوله: {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٨٨] وهو أنَّ «قَلِيلاً» نعت مصدر محذوف أي: تذكُّراً قليلاً تذكرون، أوْ نعت ظرف زمانٍ مَحْذُوفٍ أيضاً أي: زماناً قَلِيلاً تذكَّرون، فالمصدرُ أو الظَّرْفُ منصوب بالفعل بعدهُ، و «مَا» مزيدةٌ للتَّوكيد، وهذا إعْرابٌ جليٌّ.

وقد أجَازَ الحُوفِيُّ أن تكون نَعْتَ مصدرٍ محذوف لقوله: «ولا تَتَّبِعُوا» أي: ولا تَتَّبِعُوا من دونه أوْلِيَاءَ اتِّبَاعاً قليلاً، وهو ضعيف؛ لأنه يصيرُ مَفْهُومُهُ أنَّهم غير مَنْهيِّين عن اتِّبَاعِ الكَثيرِ، ولكِنَّهُ مَعْلُومٌ من جهة المَعْنَى، فلا مَفْهُوم لَهُ.

وحكى ابْنُ عطيَّة عن أبِي عَلِيٍّ أنَّ «مَا» مصدرية موصولة بالفِعْلِ بَعْدَها، واقْتَصَرَ على هذا القَدْر، ولا بُدَّ لَهُ من تَتِمَّة، فقال بعض الناس: ويكون «قَلِيلاً» نعت زمان محذوف، وذلك الزَّمَانُ المحذوف في محلِّ رفع خبر مقدّماً و «مَا» المصدريَّةُ، وما بَعْدَها بتأويل مصدر مبتدأ مؤخراً، والتَّقدِيرُ: زمناً قليلاً تذكُّرُكم أي: أنَّهُم لا يقع تذكرهم إلا في بعض الأحْيَانِ ونظيره: «زمناً قليلاً قيامك» .

وقد قِيلَ: إنَّ «ما» هذه نَافِيَةٌ، وهو بعيد؛ لأن «ما» لا يَعْمَلُ ما بَعْدَهَا فيما قبلها عند البصريين، وعلى تقدير تَسْلِيم ذلك فيصيرُ المعنى: ما تذكرون قليلاً، وليس بِطَائِلٍ، وهذا كما سيأتي في قوله تعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: ١٧] عند من جعلها نافية.

وهناك وَجْهٌ لا يمكن أن يأتي ههنا وهو أن تكون «مَا» مصدريَّةٌ، وهي وما بعدها في محل رفع بالفاعلية ب «قَلِيلاً» الذي هو خبر كان، اولتقدير: كانُوا قليلاً هُجُوعُهُم، وأمَّا هنا فلا يمكن ذلك لعدم صحَّةِ نصب «قليلاً بقوله:» وَلَا تَتَّبِعُوا «حتى يجعل» ما تَذَكَّرُون «مرفوعاً به. ولا يجوز أَن يكون» قَلِيلاً «حالاً من فاعل» تَتَّبِعُوا «و» ما تَذَكَّرُونَ «مرفوعاً

<<  <  ج: ص:  >  >>